“واجب المسلم إعلاء الحق وفعل الصالح من الأعمال” … بقلم حضرة الشيخ عبد الرؤوف اليماني مرشد صوفية الصين

عبدالرؤوف اليمانى... شيخ الصوفية الصين وحوله مريدوه

“واجب المسلم إعلاء الحق وفعل الصالح من الأعمال” … بقلم حضرة الشيخ عبد الرؤوف اليماني مرشد صوفية الصين

 

من واجبات المسلم أن يكون ناصرا للحق، مؤديا شعائره الدينية، آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، عليه أن يمتثل بكلّية لسائر أوامر الله، ولا يحقّ له بتاتا ظلم فرد من خلق الله لما تقتضيه حقوق الإنسانية بيننا.

قال الله تعالى: “ولا تركَنوا إلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تُنصَرون” (هود، الآية 113).

في الآية دعوة الله لنبيه ﷺ وللمسلمين عامة بالثبات على اتباع الإسلام الحق والحذر من الانحراف عن سواء السبيل، إضافة إلى إقامة العدل وتجنب الظلم.
ومعلوم أن البعد عن الله هو استبعاد لنصره سبحانه، فإن ابتعد العبد عن ربه فقدَ مُعينه ومُنقذه الذي يطمع أن يخلّصه من العذاب، فلما بيّن الله تعالى أنه مُعذبه وأن غيره لا يقدر على نصره أنتج ذلك أنه لا يُنصر أصلا ولا ينجو ومنتهاه سيكون النار.

ودليل فقدان الإنسان لنصرة الله وعلامة سوء مآله في الآخرة تقليده للظالم في أفكاره وأقواله وأفعاله وتعظيم شأنه، أو حتى مجرد الميل إلى ما يقول أو يفعل.

يُحكى أن ظالما كان يظلم جمعا من الضعفاء أعواما، فلما طال ظلمه قالوا له يوما:
“إن ظلمك لنا قد طاب بأربعة أشياء، هي أنّ:
1. الموت يعمّنا
2. والقبر يضمّنا
3. والقيامة تجمعنا
4. والديّان يحكم بيننا.”

ويقول مثل صيني قديم: “الشر يُجزى بالشر والخير يُجزى بالخير. تأخّرُ الجزاء لايعني انعدامه، بل عدم حيْن لحظته فقط. وبمجرد حيْن وقته، سيُجازى كل مخلوق عمّا اقترف. فجزاء الظالم من الممكن أن يُعجّل له به ومن الممكن يُؤجّل ليصل الأبناء والحفدة.”
وهذه نقطة التقاء مهمة بين الثقافتين الصينية والإسلامية، فكن على يقين أن العدالة الجزائية حقيقة لا مجال للشك فيها.

على المسلم أن يعي أن السعي لإرضاء الله وإسعاد خلقه وتفريج كرباتهم وفض نزاعاتهم ومد يد العون لهم هي التجلّيات الكبرى للإنسانية:

سئل رسول الله ﷺ، من أحب عباد الله الى الله تعالى؟ فقال ﷺ: “أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ تدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ تكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ تقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ شهرًا (يعني مسجدَ المدينةِ)، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ، و إِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ.”

فعُلم من هذا الحديث أن أحب الناس إلى الله من ينفع الناس، وأن أفضل الأعمال إدخال السرور على قلب المؤمن. من يأخذ بالوصية ينعم الله عليه بالهناء والفلاح في الدنيا والآخرة، فيُرزق في هذه الدار الصحة والبركة في العمر، ويُأجر في الدار الأخرى أضعافا مضاعفة.

قال رسول الله ﷺ: “من أعان مظلوما حزينا مطروحا كتب الله له ثلاثا وسبعين مغفرة: واحدة منها إصلاح أمره في الدنيا واثنتان وسبعون درجة في العقبى.”

ويأتي الحديث النبوي الشريف هنا تذكرة لمن يعاني من الكرب ودوام المرض والمحن بأنه لا زال لم يحْظَ بالثلاث وسبعين مغفرة بعد.

قال رسول الله ﷺ: “من أصبح لا ينوي الظلم على أحد غُفر له ما جنى، ومن أصبح ينوي نصرة المظلوم وقضاء حاجة المسلم كانت له كأجر حجة مبرورة.”

ويحث الحديث هنا المسلم على التخلّق بخُلق الشهامة والسماحة والكرم مع خَلق الله، لا يؤذيهم ولا يقابل أذاهم بالمثل، بل يعفو عنهم، ويبادر إلى عون المظلومين منهم ويسعى في قضاء حوائجهم، الشيء الذي سيعود عليه بعظيم المنافع. ففي الدنيا يُجزى ثواب حجة مبرورة، وأجره في الآخرة على واسع العطاء.

قال رسول الله ﷺ: ” من فرّج عن مسلم كربة في الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.”

رُوي عن النبي ﷺ أنه قال: “من أعان مظلوما أعانه الله يوم القيامة في الجواز على الصراط وأدخله الجنة، ومن رأى مظلوما فاستغاث به فلم يغثه ضُرب في القبر بمائة سوط من النار”.

وهذا بيان واضح لما يحبه النبي ﷺ ويرضى عنه وما يَكرهه ويُغضبه، فإن كنا فعلا نحبه ﷺ لا بد لنا من اتباعه والسير على خطى سنّته.

قال ﷺ: من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى، ومن آذى الله فليتبوأ مقعده من النار.”

أي يُبدّلون أمكانهم من الجنّة إلى النار، وإذا كان يوم القيامة يعلم الظالمون ماذا يُفعل بهم حين يؤخذ من حسناتهم وتُدفع إلى مظلوميهم. عندئذ لن تنفعهم توبة ولا ندم لأن الأوان يكون حينها قد فات.

حُكي عن بلال رضي الله عنه أنه قال: “كنا مع رسول الله ﷺ في منزل أبي بكر الصديق بمكة فقُرع الباب فخرجت، فإذا رجل نصراني يقول: هل هنا محمد بن عبد الله؟ فأدخلته، فقال: يا محمد تزعم أنك رسول الله، فإن كنت كذلك حقا فانصرني على من ظلمني. قال ﷺ: من ظلمك؟ قال: أبو جهل بن هشام أخذ مالي، فقام ﷺ وذلك عند الهاجرة، قال بلال: قلنا يا رسول الله إنه الآن في القيلولة فيشق عليه ذلك ونخاف أن يغضب عليك، فلم يسمع كلامنا فذهب إلى أبي جهل وقرع عليه الباب مغضبا، فخرج أبو جهل بالغضب فإذا هو رسول الله قائما، فقال: ادخل، هلا أرسلت إلي فآتيك، فقال ﷺ: أخذت مال هذا النصراني رُدّ عليه ماله، فقال أبو جهل: ألهذا جئت؟ فلو بعثت إلي أحدا لرددته عليه، فقال ﷺ: لا تطول ولكن ادفع ماله إليه، فقال لغلامه: أخرج جميع ما أخذته منه ورده عليه، وقال ﷺ: يا رجل أ هَل وصل إليك مالك؟ فقال: نعم إلا سلة واحدة، فقال ﷺ لأبي جهل: أخرجها، فطلبها في بيته فلم يجدها فدفع أبو جهل إليه بدلا خيرا منها، فقالت امرأة أبي جهل: والله لقد تواضعتَ ليتيم أبي طالب كل التواضع والتذلل، فقال أبو جهل: لو رأيتِ ما رأيتُ لم تقولي هكذا، قالت: ما رأيت؟ قال: لا تفضحيني في قومي، رأيت على منكبيه أسدين كلما هممت أن أقول لا أدفع كادا يفترساني فلذلك تواضعت. قال بلال: فلما رأى النصراني ما رأى من أبي جهل قال: يا محمد إنك رسول الله ودينك حق، فأسلم وحسُن إسلامه ببركة إعانة المظلوم.”

وتعتبر هذه القصة تذكيرا للمسلمين بأن الدعوة للإسلام لا تتمّ بالخُطب والخطابات فقط، بل باتباع سنة نبينا الشريفة وتجسيدها في حياتنا اليومية، فنعطي بذلك صورة حسنة عن ديننا وهويتنا ونترك انطباعا طيبا من حولنا. فقط بهذه الطريقة يتأتى للناس أن تتأثر، وتتعرف على نبينا ﷺ وعلى حقيقة ديننا الإسلام.

وجاء في الآثار، ينادي المنادي يوم القيامة:
“أين الذين كانوا يختارون الفقر ويبرّون الفقراء وكانوا على طريق محمد ﷺ واتبعوا السنة؟ فيقال انطلقوا مع نبيّكم إلى الجنة.”

“أين الذين يحبّون الأضياف ويبرّون الغرباء؟ فإبراهيم عليه السلام إمامهم إلى الجنة.”

“أين الذين تركوا أهواء أنفسهم حين قدروا؟ فيوسف عليه السلام إمامهم إلى الجنة.”

“أين الذين يُحسنون إلى جيرانهم؟ فيعقوب عليه السلام إمامهم إلى الجنة.”

“أين الذين قالوا الحق لوجه الله تعالى؟ فموسى عليه السلام إمامهم إلى الجنة.”

” أين الذين عدلوا في خلافتهم؟ فهارون عليه السلام إمامهم إلى الجنة.”

“أين الذين صبروا في أمراضهم وبلائهم؟ فأيوب عليه السلام إمامهم إلى الجنة.”

“أين الصّدّيقون؟ فأبو بكر إمامهم إلى الجنة.”

“أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟ فعمر إمامهم إلى الجنة.”

“أين الذين تركوا المعاصي حياءً من الله تعالى؟ فعثمان إمامهم إلى الجنة.”

“أين الغازون في سبيل الله؟ فعلي إمامهم إلى الجنة.”

“أين المظلومون والمقتولون في طاعة الله؟ فالحسن والحسين إماماهم إلى الجنة.”

” أين الفقهاء؟ فمعاذ بن جبل إمامهم إلى الجنة.”

“أين المؤذّنون؟ فبلال إمامهم إلى الجنة.”

قال النبي ﷺ: “من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سنّ سنّة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها.”

أي من يضل الناس يأخذ على عاتقه إثم التضليل والسيئات المقترفة من هؤلاء الناس جرّاء هذا التضليل.
وهذا تذكير بالغ الأهمية للمعلّمين والمرشدين والأئمة والعلماء.

على مسلمي أهل السنة والجماعة أن يحيَوْا محقّقين وراسخين على مبدأ “خدمة الوطن فريضة”.
فعلى المسلم أوّلاً وقبل كل شيء أن يلتزم بقوانين بلده ويتفادى ارتكاب أي نوع من المخالفات.
إضافة إلى خذلانه لأبويه وأهله وأسلافه، يُعَدّ المعاقَب لأجل خرق أحد قوانين الدولة، عنصرا مسيئا لسمعة الإسلام ومثالا خاطئا لما جاءت به السنة النبوية الشريفة، فيُعاقب في الدنيا وكذا في الآخرة على إضاعته لقدره ورفعته كمسلم.
وتجده قد اختار التحلّي بالدناءة من أجل مكاسبه ومنافعه الدنيوية رغم علمه يقينا بأنها فساد كبير لا يجوز لمن دان بدين الإسلام الاتصاف بها.

من جهة أخرى، إذا حاز المسلم فخرا ومجدا، فهو لا يعزّ به نفسه وأبويه وأهله وأسلافه فحسب، بل ويعظّم بذلك الله عز وجل ونبيه الكريم ﷺ، ويساهم في إقرار العزة للإسلام، فيثيبه الله عزةً في الدنيا، وفي الآخرة يجزيه أجرا مضاعفا ورحمة منه جلّ وعلا.
ترتبط مكونات هذه الحياة بما يحويه عالم الروح، كما أنها ترتبط بما تنطوي عليه الحياة الآخرة، فمن عظّم الله ورسوله ودين الإسلام أُثيب في الآخرة بنعيم لم يخطر على بال.

قال الله عز وجل: “سيذّكّر من يخشى” (الأعلى، الآية 10).

قال الله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب” (الزمر، الآية 9).

عندما يختار المرء أن يكون كريما، محسنا وحَسَن الخُلق، ويصرّ على العيش بهذه الأخلاق مهما تغيرت ظروف حياته، سيستطيع حينها أن يَرُدّ الإساءة بالإحسان، وسيعينه الله بدون شك عند ظلم الناس وأذيتهم له.

أدعو الله أن يجعلنا ممّن كَمُل إسلامهم وحَسُن، وأن يقيمنا في خدمة الإسلام الحق والدعوة إليه بإحسان.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *