قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن “هناك جانب عملي في التصوف، استمد من التجربة الإسلامية الإنسانية، الصحابة ربنا أمرهم بالذكر، فذكروا، فلما ذكروا حصلت لهم أحوال، فعبادة بن الصامت -كما في البخاري- كان يسمعُ سلام الملائكة”.
وأوضح أن عبادة بن الصامت كان رجلًا من الصالحين تقيَّد بالكتاب والسنة؛ فحدثَ له شيء هو مردّه إلى الكون وليس إلى الشريعة، ليس في الشريعة أن مَن يذكر الله تُسَلِّم عليه الملائكة، لا يوجد شيء مثل هذا لكن هذا حدث لعبادة بن الصامت.
وأشار “جمعة” إلى أننا نستنبط مما حدث له أشياء، ونرى ما هي علامة سلام الملائكة، وهل هي تدل على رضا الله، أم هي نعمة من النعم التي يجب علينا أن نشكرها ولا نكفرها وألا نتكبر بها، حتى إذا اكتوى لم يسمع سلام الملائكة، فلما ترك الكي عاد فسمعَ سلام الملائكة، وقال: ”هذا الحديث يصف لنا التجربة الإسلامية الإنسانية، لأنه ممكن رهبان التِّبِت يحدث لهم تجارب، والهندوس يحدث لهم تجارب، اليهود والنصارى يحدث أيضًا لهم تجارب إنسانية، لكن عندنا في التصوف “التجربة الإسلامية الإنسانية”.
وتابع عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل فيسبوك: أيضا الشرع الشريف قد جعلنا نأخذُ أحكام الشريعة من الوحيّ ومن الوجود معًا، لأن كل شيء يجب أن يكون له دليل، قال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} لفتك إلى الكون كتاب الله الأعظم، أو كتاب الله المنظور، ثم عاد الإقراء مرة أخرى فقال: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ} وهو الوحي، إذن مصادر المعرفة اثنان: الوجود والوحي. لماذا؟ لأن الكون والقرآنَ صدرا من الله، الكون من عالم الخلق، والقرآن من عالم الأمر، لأن القرآن غير مخلوق، إذًا لا يختلفان أبدًا، لا يمكن آية من القرآن تُخالف حقيقة كونية خلقها الله.
وأوضح أن هذا صدر من الله وهذا صدر من الله، إنما هذا صدر من الله خلقًا وهذا صدر من الله أمرًا، قال تعالى: {أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ} إذن هناك دائرتين ؛ دائرة خلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، ودائرة أمر: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ}، بأيهما نبدأ؟ بالوحي أو بالوجود؟ بأي ما شئت، فلو بدأت بالوحي لوصلت صحيحًا إلى الوجود، ولو بدأت بالوجود لوصلت صحيحًا إلى الوحي، فهي دائرةٌ لا يُعْرَفُ قَبيلُها من دَبِيرها، وما حجة ذلك؟ .
وأضاف أن فكر هؤلاء الذين قاموا من أجل مرتبة الإحسان، ووجدوا أن الأمر ينبغي أن يستمد من الوجود والوحي معًا، نذهب للفقه نجد الإمام الشافعي يستمد أحكام الشريعة من الوجود والوحي معًا، نأخذ مثال في الماء المُشَمَّس، وجده من ناحية الطب، يعني من ناحية الوجود، أنه عندما يكون في البلد الحار في الإناء المنطبع (المعدن يعني الحديد ،النحاس) تحدثُ عليه زُهومة تضر الجلد، فَكَرَّه، -والكراهية حكم شرعي- كرَّه استعمال الماء المشمس بناءً على الوجود، وعندما روى عن طريق محمد بن إبراهيم بن أبي يحيى أن الماء المشمس كان عمر رضي الله تعالى عنه يقول: أنه مكروه .قال: وأنا لا أكرَهُهُ ، فكأن الإمام الشافعي يرد على سيدنا عمر، فهو ينفي أن يكون ذلك دليلاً شرعيًا، لأنه كان لا يأخذُ بقول الصحابي إلا استئناسًا وليس دليلاً، وهناك فرق بين الاستئناس والاستدلال، فكان الشافعي يقول: وأنا لا أكرهه إلا أن يكون من جهة الطب، أي من جهة الوجود، وأرجع أكبر مدة للحمل والحيضِ والولادة والنّفاس ونحو ذلك إلى الوجود، يقول شارح الزُّبَد: والأمر في ذلك مَرَدُّهُ إلى الوجود.