كشف الدكتور عزيز عابدين، شيخ الساحة النقشبندية فى ولاية كاليفورنيا الأمريكية رئيس الجامعة الأمريكية للعلوم الإنسانية، عن وجود ٣ ملايين صوفى فى الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنهم يرفضون أى طقوس تخالف كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، وينظمون العديد من حلقات الذكر والإنشاد الدينى.
وقال «عابدين»، فى حوار له إن الحكومة الأمريكية تدعم التصوف وتؤيده، لدوره الكبير فى مواجهة الجماعات والتنظيمات المتطرفة.
■ بداية.. كيف انتشر التصوف فى الولايات المتحدة الأمريكية؟
انتشار التصوف فى الولايات المتحدة واجه صعوبة بالغة، ولم يكن الأمر سهلًا فى البداية، لوجود عدة منظمات أمريكية متطرفة ترفض أى وجود إسلامى فى البلاد، بجانب تخوف كثير من المراكز الإسلامية نفسها من الصوفية وممارسة شعائرها داخل المساجد.
لكن فى الوقت الحالى أصبح الأمر متاحًا، وبدأنا نرى انفتاحًا وقبولًا لكثير من الطرق الصوفية فى الولايات المتحدة، بالتزامن مع قبول التصوف فى كثير من دول العالم، وظهور كثيرين ممن يدعون له ويتحدثون باسمه وآخرون يسمعون دعاته ويتأثرون بهم.
والإخوة المغاربة كان لهم سبق فى تعريف الأمريكان بالتصوف، بإرسالهم دعوات لأعضاء الجالية المسلمة فى الولايات المتحدة، سواء من أصول عربية أو آسيوية أو إفريقية، واستقبالهم فى المغرب لإطلاعهم على المنهج الصوفى عن قرب، بجانب تنظيم عدة طرق مؤتمرات فى أمريكا، ما أسهم فى انتشار التصوف بصورة كبيرة فى جميع الولايات.
■ بصفتك شيخ «النقشبندية» فى كاليفورنيا.. ما دورك فى نشر التصوف؟
لدينا تجمع كبير فى ولاية كاليفورنيا اسمه «تجمع الصوفية النقشبنديين»، يشارك فيه جميع المنتمين لـ«النقشبندية» فى الولاية، ويقيمون حلقات ذكر وإنشاد وسماع دينى بشكل دائم. ونحاول دائمًا نشر التصوف بالأدب والأخلاق، وعدم إثارة أزمات مع أى أحد، سعيًا إلى إعلاء كلمة «لا إله إلا الله».
■ ما طبيعة ونوعية التصوف فى أمريكا؟
التصوف الذى انتشر فى الولايات المتحدة هو التصوف السنى المعتدل، الذى لا توجد فيه شطحات أو خزعبلات أو مخالفة للكتاب والسنة، ما جعل الأمريكان يريدون التعرف على أفكاره.
وينتمى هذا التصوف، فى غالبيته، إلى طرق صوفية محددة، لا نستطيع تحديد عددها، لكن الـ٥ طرق الأكثر انتشارًا هى: «القادرية، والشاذلية، والسهرواردية، والنقشبندية، والتيجانية».
وتمتلك تلك الطرق عدة زوايا صوفية تقيم العديد من حلقات الذكر، فهناك زاويا «النقشبندية» و«التيجانية» و«السهرواردية»، والتى تتواجد فى مدن «سان دييجو» و«لوس أنجلوس» و«سان فرانسيسكو» بولاية كاليفورنيا، والزاوية «القادرية» فى «واشنطن»، بجانب زوايا أخرى لـ«التيجانية».
وكما قلت، تقام فى هذه الزوايا حلقات ذكر صوفية بشكل متجدد، يأتى لحضورها وسماعها العديد من الأمريكيين، الذين يدخل بعضهم الإسلام بعد الاندماج مع أبناء تلك الزوايا.
■ إلى من ينتمى غالبية المتصوفة هناك؟
الغالبية العظمى من المتصوفة فى الولايات المتحدة أمريكيون وليسوا عربًا، وهو ما ساعد على انتشار التصوف فى البلاد، خاصة فى نيويورك، وواشنطن، وكاليفورنيا.
■ وماذا عن موقف الحكومة الأمريكية من التيارات الصوفية فى البلاد؟
النظام السياسى والحكومة فى الولايات المتحدة يؤيدان الصوفية بصورة كبيرة، وهو ما يأخذه البعض على الصوفى باعتباره «مأجورًا وينصاع ويباع ويشترى»، رغم أنه لا يقحم نفسه فى السياسة، ويكون هدفه الرئيسى تحقيق نهضة البلد الموجود فيه، والدفاع عنه.
وفى رأيى، السبب وراء وقوف الحكومة الأمريكية مع الصوفية هو دورها المحورى فى التصدى للتيارات المتطرفة فى الولايات المتحدة، وتحركات أبنائها بعد أحداث ١١ سبتمبر الإرهابية لتجديد الخطاب الدينى ومواجهة المتشددين من أنصار «القاعدة» و«الإخوان»، عبر دعوة الناس إلى الإسلام الوسطى البعيد عن التطرف والقتل وسفك الدماء.
والحكومة الأمريكية عندما وجدت أن الصوفيين لا خطر من ورائهم، وأن منهجهم وسطى مسالم لا يحارب الآخر، سمحت لهم بالتواجد والانتشار وإنشاء العديد من المساجد والزوايا، ورغم أن دعاة وعلماء هذه المساجد من الصوفية، يصلى فيها السلفى والوهابى وغيرهما من التيارات.
■ ألم تطلب منك صراحة السيطرة على المشهد الدينى والتصدى للمتشددين؟
هناك مؤسسات إسلامية فى الولايات المتحدة الأمريكية تعتبرها الحكومة «إرهابية» رغم الترخيص لها بالعمل فى البلاد، من بينها مؤسسة «كير»، لذا تحاول الصوفية بشكل دائم موازنة الأمور وتجنب التصنيف مع هذه المؤسسات، وذلك عبر التعامل بحكمة وذكاء مع الجميع.
وبالنسبة لسؤالك، لم تطلب الحكومة الأمريكية من الصوفية بشكل مباشر السيطرة على المشهد الدينى فى البلاد، لكنها سمحت لنا بالانتشار والسيطرة على المنابر الدعوية.
■ ما علاقتكم بالرئيس دونالد ترامب.. وهل أيدتموه فى الانتخابات الأخيرة؟
– العلاقة بين الصوفية والرئيس دونالد ترامب «جيدة»، وعلى الرغم من أن عدد الصوفية فى الولايات المتحدة كبير ويصل عددهم إلى نحو ٣ ملايين صوفى على أقصى تقدير، ويحق لهم جميعًا التصويت، لم يدعموا أو ينتخبوا «ترامب»، وذلك بسبب بعض آرائه ضد المسلمين.
■ هل واجهتم معارضة من التيارات الأخرى؟
– فى الواقع هناك معارضون كثر للتصوف، ممن يجهلون أفكاره ويعتقدون أنها دجل وشعوذة، وهو الأمر الناتج عن ممارسات خاطئة لبعض المنتمين للصوفية، فلقد دعينا لحضور حلقات ذكر فى بعض الدول، فرأينا فيها ما هو بعيد تمامًا عن التصوف، من تدخين للسجائر والشيشة والرقص.
ومثل هؤلاء لا يعرفون التصوف وحقيقته، وأنه أخلاق ومحبة ومعاملة وسلوك وأدب، لذا فإنهم يشوهونه بمثل هذه التصرفات، ويمنحون التيارات المتشددة فرصة لمهاجمة أهل التصوف وإلحاق الضرر بهم، خاصة أنهم يعممون هذه التصرفات على أبناء الصوفية كافة.