واصلت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، بشراكة مع مؤسسة الملتقى العالمي للتصوف، ومؤسسة الجمال للسماع والمديح والفن العريق، باستعمال خاصية البث المباشر تنظيم ليالي الوصال “ذكر وفكر” في زمن كورونا، بإحياء الليلة السادسة، السبت 6 يونيو 2020، وذلك انسجاما مع ما تقتضيه تدابير الحجر الصحي.
وعرفت هذه الليلة مشاركة مجموعة من العلماء والأساتذة من المغرب وخارج المغرب، وتخللتها وصلات لمنشدين مغاربة وآخرين من ماليزيا وليبيا وفرنسا وإسبانيا، إضافة إلى شهادات حية لمريدي الطريقة القادرية البودشيشية من أقطار مختلفة، عكست انتشار الطريقة خارج المغرب خاصة في أوساط المثقفين.
ومن بين المداخلات العلمية الرصينة التي عرفتها الليلة السادسة، المداخلة العلمية لفضيلة الدكتور منير القادري بودشيش مدير مؤسسة الملتقى ورئيس مركز المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام، اليوم، والتي تمحورت حول “دور التصوف في بناء أسس المواطنة الفاعلة وأثرها على ترسيخ قيم التضامن الاجتماعي “، بين من خلالها أن منظومة القيم التي يحملها التصوف الذي هو مقام الإحسان، والذي هو ثابت من ثوابت هويتنا الدينية، تجعله يسهم في عملية النهوض بالواقع وبناء مجتمع أكثر تماسكا من الناحية الاجتماعية، والمرتكز على القيم الأخلاقية النابعة من قيمنا الإسلامية الراسخة والمتجذرة في ثقافتنا المغربية، موضحا أن أزمة كورونا بينت المعدن الحقيقي للمغاربة، وأن المغرب بلد قيم التآزر والتكافل، وهو ما جسدته على أرض الواقع المبادرات الاستباقية والتضامنية التي قادها جلالة الملك محمد السادس نصره الله، والتي شكلت حافزا قويا للمواطنين المغاربة ليكونوا فاعلين إيجابيين من خلال سلوك التضامن والتكافل الذي أبانوا عنه، عكس النظرة المادية الصرفة التي تقصي القيم الروحية الإنسانية، منبها إلى أن عالم ما بعد كورونا مختلف عن عالم ما قبل كورونا، ومبرزا فضيلته أن المستقبل للقيم الأخلاقية التي ظهرت الحاجة إليها في ظل أزمة كورونا، هذه الأخيرة التي جددت اعتقادنا وثقتنا بالله، وقوة علاقتنا بقيمنا الأخلاقية.
كما بيّن الدكتور منير القادري أن الإنسان يبقى هو أساس نجاح التنمية، مذكرا بما جاء في الأقوال المأثورة عن السادة العلماء بهذا الخصوص، من أن الإنسان يأتي قبل البنيان، والساجد يأتي قبل المساجد، والذي ينبغي أن يهتم به من خلال نظرة شمولية ، تراعي مختلف حاجياته النفسية والروحية والجسدية والفكرية، مبرزا أن التربية الصوفية توجه الانسان نحو السمو الأخلاقي والتحقق بالأخلاق المحمدية المبنية على الرحمة ونفع الناس، والانشغال بعيوب النفس وتزكيتها والتغافل عن عيوب الناس.
وأوضح «بودشيش» أن التصوف يحيي الفطرة الإنسانية وينشر قيم المحبة والتآزر ويحقق الأمن الروحي، الشيء الذي يجعل الإنسان يشعر بالمسئولية ويصبح فاعلا ومتفاعلا مع مجتمعه، متحليا بالقيم الأخلاقية الكونية، فالتنمية في الإسلام ذات بعد إنساني كوني تعود بمنافعها على كافة البشر وعلى البيئة كذلك.
ليخلص الدكتور منير إلى أن التصوف يهدف الى تغيير الفرد نحو الأفضل، من خلال الأخلاق الحسنة المبنية على الإحسان، مما يؤدي الى تمنيع الأفراد والمجتمعات، وبناء مواطنين صالحين لأنفسهم ولأسرهم ولمجتمعهم، وللبشرية جمعاء بما ينسجم ومفهوم المواطنة العالمية، مذكرا بما جاء في خطاب جلالة الملك حفظه الله عن أهمية الاخلاق والوطنية الصادقة بمناسبة الذكرى التاسعة عشر لتوليه عرش أسلافه المنعمين، حيث جاء في خطابه:
“فالمغرب هو وطننا، وهو بيتنا المشترك، ويجب علينا جميعا أن نحافظ عليه، ونسهم في تنميته وتقدمه، إن الوطنية الحقة تعزز الوحدة والتضامن، خاصة في المراحل الصعبة.. والمغاربة الأحرار لا تؤثر فيهم تقلبات الظروف، رغم قساوتها أحيانا، بل تزيدهم إيمانا على إيمانهم، وتقوي عزمهم على مواجهة الصعاب، ورفع التحديات، وإني واثق أنهم لن يسمحوا لدعاة السلبية والعدمية، وبائعي الأوهام، باستغلال بعض الاختلالات، للتطاول على أمن المغرب واستقراره، أو لتبخيس مكاسبه ومنجزاته، لأنهم يدركون أن الخاسر الأكبر، من إشاعة الفوضى والفتنة، هو الوطن والمواطن، على حد سواء”.
يشار إلى أن من أهم ما ميز الليلة السادسة إحداث فقرة تفاعلية مع الأسئلة التي تم طرحها من طرف المتابعين لهذا السمر الروحي، وهوما لقي استحسانا من طرفهم ، هذه الأسئلة التي تميزت بتنوعها، حيث همت الأسس والثوابت التي تقوم عليها الطريقة، والتربية التي تنتهجها، وحضورها الوطني والدولي، وقد تولى الإجابة عنها باللغتين العربية والفرنسية فضيلة الدكتور منير القادري ومجموعة من علماء الطريقة وأساتذتها.