دائمًا ما يتشدق كارهو الصوفية ومعارضوها بأنها بعيدة عما يعتبرونه «العلم الدينى الحقيقى»، وتقتصر فكرتهم عنها على الإنشادو«الدروشة» وتجمعات الأطعمة، لكن الطريقة الهاشمية بقيادة الدكتور محمد أبوهاشم، عميد كلية أصول الدين نائب رئيس جامعة الأزهر السابق، أكبر دليل على زيف هذا الاعتقاد.
فالطريقة تجمع محاسن الصوفية والعلم الأزهرى، قادتها من كبار علماء الأزهر، وأعضاؤها أزهريون، بجانب المتصوفة الآخرين من البسطاء، وحضرتها الأسبوعية التى يقودها «أبوهاشم»، ومولدها السنوى الذى يمتد ٨ أيام، تتخللهما مجالس علم وندوات دينية وثقافية جنبًا إلى جنب مع الإنشاد والذكر والأوراد.
نسلط الضوءخلال السطور التالية فى هذا العالم «الصوفى الأزهرى» المتفرد، وننقل شهادات حية من أتباع الطريقة ورواد ساحتها، عن «أبوهاشم» نفسه، وطبيعة هذا المزيج الدينى الفريد.
عرابى والشعراوى من مريدى أجداده.. وينظم دورى كرة قدم لأبناء الشرقية
يعود نسب الدكتور محمد أبوهاشم إلى الأشراف الهاشميين بالجزيرة العربية، فجده الأكبر الذى يحمل الاسم ذاته «محمد أبوهاشم» جاء نازحًا من الحجاز إلى مصر، وتحديدًا محافظة الشرقية، حيث أقام وأسسس طريقته الصوفية «الهاشمية الخلوتية الأحمدية»، التى تنتسب إلى القطب الصوفى الكبير السيد أحمد البدوى، وذلك فى أواخر القرن الثامن عشر.
ويوضح المهندس عاصم محمد، عضو «الهاشمية» فى الشرقية، أن «أبوهاشم» الجد أقام بعد مجيئه إلى مصر فى قرية «بنى عامر» التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، وكان يذهب إلى «خلوة» فى مكان خارجها، وقبل وفاته طلب من أبنائه أن يدفن بها، ويُبنى فوقها مسجد وساحة للضيوف والفقراء ولقراءة الأوراد. وبالفعل بنى فوق مقر خلوة الجد «مسجد الشيخ محمد أبوهاشم»، وأصبح مقرا للطريقة الهاشمية، وساحة لنشر علوم التصوف، وملتقى لعلماء وأهل التصوف من كل أنحاء العالم.
بعد تأسيس «الهاشمية» تولى كثير من «العلماء» منصب شيخ الطريقة، بداية من المؤسس نفسه الجد الأكبر الشيخ محمد أبوهاشم، ثم ابنه الشيخ السيد محمد أبوهاشم الذى كان من أتباعه وأخذ العهد على يديه الزعيم أحمد عرابى، ومن بعده ابنه الشيخ أحمد أبوهاشم، ثم الشيخ سيد أبوهاشم.
وتولى مشيخة الطريقة بعد ذلك، الشيخ أحمد أبوهاشم، الذى كان من علماء الأزهر الشريف وقاضيا بـ«المحاكم المختلطة»، وكان من أتباعه كثير من شيوخ وعلماء الأزهر، أبرزهم الشيخ محمد متولى الشعراوى، والإمام عبدالحليم محمود الذى أخذ عنه دعاء تفريج الكروب «اللهم صل على سيدنا محمد الحبيب الشفيع الرءوف الرحيم الذى أخبر عن ربه الكريم أن لله تعالى فى كل نفس مائة ألف فرج قريب وعلى آله وصحبه وسلم».
وبعد أحمد أبوهاشم، تولى الطريقة ابنه الشيخ محمود أبوهاشم، وكان أيضًا عالما من علماء الأزهر، ومسئولا عن التعليم الأزهرى فى محافظات الشرقية والإسماعيلية وبورسعيد والسويس وشمال وجنوب سيناء، وله مؤلفات كثيرة منها «ديوان دينيات، ديوان الهاشميات، الإمام الشعرانى فى رحاب النبى».
ورغم أنه تخرج فى كلية الشريعة إلا أنه وجه أبناء الأسرة الهاشمية إلى دراسة الحديث الشريف، وكان أولهم الدكتور الحسينى هاشم، والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق، والدكتور محمود عمر هاشم عميد كلية الدراسات الإسلامية.
وخلفه فى قيادة الطريقة ابنه محمد أبوهاشم، رئيس الطريقة الحالى، وذلك عام ١٩٨٤، وقد كان «شديد النبوغ فى دراسته وكافة العلوم الدينية المختلفة منذ صغره، فحفظ القرآن الكريم فى العاشرة من عمره والأحاديث النبوية المختلفة، وأطلق عليه (ابن المدد) فى بدايات حياته».
وتقلد الدكتور محمد أبوهاشم الكثير من المناصب داخل جامعة الأزهر، أولها عميدًا لكلية أصول الدين بالزقازيق، ثم نائبًا لرئيس الجامعة بالقاهرة، كما أنه اختير «نقيبًا لأشراف الزقازيق».
محمد الصيفى، أحد أتباع الطرق الصوفية بمحافظة الشرقية، يكشف عن جانب آخر فى حياة «أبوهاشم»، وهو حبه كرة القدم، بل تنظيمه «دورى» مصغرًا فى هذه اللعبة لأبناء المحافظة.
ويوضح «الصيفى» أن «الدكتور أبوهاشم من كبار علماء التصوف والدين الإسلامى بالشرقية، وكل من ينزل إلى ساحة الهاشمية فى قرية بنى عامر يجد كرما لا يجده فى مكان آخر، لكن اهتمامات الشيخ لا تقتصر على الشأن الدينى، بل هو رجل منفتح ويهتم بالرياضة والثقافة».
ويضيف أن «الشيخ محب رياضة كرة القدم، ويشجع بشكل دائم المنتخب الوطنى الأول، كما أنه أول شيخ طريقة صوفية ينظم دورى لكرة القدم باسم (كأس أبوهاشم) يشارك فيه الكثير من القرى والبلدان المجاورة لقرية بنى عامر بمحافظة الشرقية».
ويتابع: «خلال نهائى هذا الدورى، ينظم يوم ترفيهى ويلعب الفريقان الصاعدان، ثم يسلم الكأس للفريق الفائز، وذلك فى مركز شباب بنى عامر، وبمشاركة مسئولى مجلس النواب والقيادات التنفيذية والشعبية فى المحافظة».
وعن الحياة الشخصية لـ«أبوهاشم»، قالت مصادر مقربة منه: «تزوج فى سن صغيرة، وأنجب ٥ أبناء، ٤ أولاد وبنتا واحدة»، ويتبرع براتبه الذى يتقاضاه من جامعة الأزهر للفقراء والمحتاجين، من خلال مكتب الصدقات بالطريقة الهاشمية فى «بنى عامر»، مشيرًا إلى أن «كل من له طلب أو سؤال أو فى احتياج يذهب لساحة الشيخ أبوهاشم ويأخذ ما يريده».
وإلى جانب النشاط الدينى والرياضى، وقف «أبوهاشم» محاربًا للتطرف الذى انتشر بعد ٢٠١١، وحسب محمد الجندى، عضو الطرق الصوفية بالشرقية، فإن دعاة «الهاشمية»-بتوجيه من شيخها- نزلوا إلى قرى ونجوع المحافظة، وتصدوا لأفكار جماعة الإخوان والتيارات المتشدة الأخرى، وفى ٢٠١٣ وبعدها حذروا من الفتنة والفوضى، وطالبوا المواطنين بدعم الدولة ومساندتها والوقوف إلى جانب عبدالفتاح السيسى وتأييده فى الانتخابات الرئاسية.
حضرة أسبوعية بقيادته مولد سنوى يجمع بين «الذِّكر» والندوات
إلى ساحة «أبوهاشم» فى قرية «بنى عامر» يأتى مئات من علماء الأزهر وطلاب جامعته، من كل أنحاء العالم الإسلامى، لتلقى العلم الصوفى من شيخ الطريقة، التى شهدت فى عهده أكبر حركة توسعات وأصبحت شهرتها عالمية، بجانب زيارة أضرحة شيوخ الطريقة الموجودة فى مسجد الشيخ أبوهاشم بالساحة ذاتها، وفق حمادة هاشم، عضو الطريقة الهاشمية بالشرقية.
ويضيف «هاشم» أن شيخ الطريقة الحالية سار على نهج والده محمود أبوهاشم فى خدمة الجميع ليل نهار، وعدم اقتصار خدماته على أبناء «الهاشمية» و«بنى عامر» فقط، بل كل أبناء محافظة الشرقية، معتبرًا أن طريقة «الهاشمية» بمثابة «قلعة التصوف السنى فى مصر والعالم الإسلامى»، لكون جميع شيوخ الطريقة كانوا علماء فى الأزهر الشريف، وداخل ساحتها اختلط التصوف بالعلم الأزهرى، فتفردت دينيًا واجتماعيًا وثقافيًا.
ويكشف عن أن عدد مريدى وأتباع الطريقة فى مصر وخارجها يقدر بحوالى ٢ مليون مريد، لافتًا إلى أنه تتم إقامة حضرة أسبوعية فى مسجد «الهاشمية» بقرية «بنى عامر»، يشارك فيها «أبوهاشم»، موضحًا أنها تبدأ بقراءة الفاتحة لكل مشايخ الطريقة، ثم الصلاة والتسليم على الرسول الكريم، تليها قراءة «الأوراد الأحمدية» وذكر الله عز وجل بقول «لا إله إلا الله»، إلى أن تختم بقراءة الفاتحة ثم الاستماع إلى ما تيسر من القرآن الكريم.
وحسب «هاشم»، تقيم الطريقة احتفالًا سنويًا بـ«المولد الهاشمى» لمدة ٨ أيام تقام خلالها الندوات الدينية والثقافية وحلقات الذكر، لذا تعد بمثابة «موسم ثقافى ودينى» بمحافظة الشرقية، كما أنها تحتفل أيضًا بالمولد النبوى الشريف وموالد أهل البيت وأئمة التصوف فى مصر.
ويختتم: «أهم ما تركز عليه الطريقة بعد العمل على نشر الفكر الصوفى الصحيح المستمد من الكتاب والسنة هو قضاء حوائج الناس، بتقديم خدمات اجتماعية من خلال جمعية (الأنوار المحمدية) الخاصة بأبناء الطريقة والتى أنشأت مستوصفا طبيا ومكتبة كبرى ومعهدا للدراسات الإسلامية».
من جهته، يقول محمد محاضير، أحد مريدى الطريقة الهاشمية من دولة ماليزيا: «عرفنا التصوف الحقيقى على يد الدكتور محمد أبوهاشم، لكونه أحد علماء الأزهر الكبار الذين ذاع صيتهم فى العالم الإسلامى، والذى فتح الله عز وجل على طريقته السنية بفتوحات عظيمة فى عهده، فانتشرت خارج مصر، فى الكثير من الدول مثل إندونيسيا والهند وباكستان وماليزيا وجنوب إفريقيا».
ويضيف: «بفضل هذا الانتشار الواسع عرفنا الطريقة فى دولة ماليزيا، وبعد أن أصبحنا طلابا بجامعة الأزهر، تقربنا من الشيخ أبوهاشم وعرفناه جيدًا، وأصبحنا نشارك فى دروس العلم الخاصة به فى مسجد الطريقة بمحافظة الشرقية كل يوم جمعة».
ويوضح أن «الدكتور أبوهاشم يعقد درسًا علميًا كل يوم جمعة، يأتى إليه طلبة العلم من كل أنحاء مصر وخارجها، خاصة طلاب جامعة الأزهر، ليتعلموا على يديه علوم وآداب التصوف الصحيحة، ومناهضة الفكر المتطرف الذى حاول التمدد والانتشار فى الكثير من دول العالم، ويتعرفوا على وسطية الإسلام».
لم يختلف معه محمد آية الله، أحد أتباع الطريقة من دولة باكستان، الذى يعتبر «أبوهاشم» «قطبًا صوفيًا كبيرًا اتخذ من طريق أهل الله سبيلًا يصل منه إلى معية الله عز وجل، فلبس عباءة أقطاب أهل التصوف، ونشر العلوم الدينية المختلفة بالأخلاق المحمدية الفاضلة».
ويضيف: «من خلال علاقتنا معه داخل جامعة الأزهر وفى كلية أصول الدين، وحضورنا للكثير من المحاضرات والجلسات العلمية له، لم نجده يتكبر على أحد أو ينافقه، وتأكدنا أنه منفوح من الله بسبب تواضعه ورفعة أخلاقه».
ويشير إلى أن الشيخ يقف فى ساحته بمحافظة الشرقية ليستقبل فقراء المسلمين، سواء كانوا صوفية أو لا، ويخدم الجميع بنفسه، مختتمًا: «المئات أسلموا على يد الشيخ فى جولاته الخارجية، ما يعكس كونه نموذجًا حقيقيا للدين الإسلامى الحنيف، والذى تمتلئ ساحته بحالة من المحبة والروحانيات، ويأتى إليها كثيرون ليعرفوا الإسلام الحقيقى والتصوف السنى».