“الطريقة المريدية”…القصة الكاملة لأشهر طريقة في السنغال

الرئيس السنغالي ماكي سول في حضرة شيخ المريدية

الصوفية اليوم

 

الناظر في المجتمع السنغالي يرى مجتمعًا مسلمًا تبلغ نسبة المسلمين فيه 96% من إجمالي السكان، حيث العقيدة الغالبة فيه هي الأشعرية، ومذهبهم الفقهي هو مذهب الإمام مالك، وينتشر التصوف في المجتمع السنغالي تفشيًا طاغيًا حتى وصف بعض الباحثين فى السنغال الأمر قائلين بأن “كل مسلم في ديارنا في السنغال تجده ينتسب بشكل أو بآخر إلى قيادة من القيادات الروحية التي هي صوفية”.

ويتغلغل التصوف الإسلامى في المجتمع السنغالي، حتى يبدو ذلك المجتمعُ وكأنه لا مكان فيه لفرد لا يتبع طريقة صوفية ما، إليها ينتسب، وبها يفتخر، وبطقوسها يتميز عن غيره، وبفضلها ينال المزايا والمنافع، حتى قيل: إن ولاء السنغالي إلى الطريقة قبل الشريعة، بل ويمتد انتماء السنغالي إلى الطريقة الصوفية جغرافيًّا أيضًا، فتجد الكثيرين من السنغاليين ممن يعيشون في أوروبا أو أمريكا، يحتفظون بانتمائهم الصوفي في تلك البلاد البعيدة عن محضن الطريقة وموطنها الرئيس.

شيخ المريدية وسط اتباعه

يقول عبد الرحيم السنى الباحث فى الشئون الصوفية، إن المسلمين في السنغال ينتمون الى أربعة طرق صوفية، هي التيجانية والمريدية والقادرية واللايينية، ورغم أن التيجانية هي الأكثر أتباعًا في السنغال، إلا أن المريدية هي الأكثر تنظيمًا ونفوذًا وسطوةً، كما أن المريدية هي الوحيدة من بين هذه الطرق التي يرجع تأسيسها إلى شخصية سنغالية، هو الشيخ أحمد بمب، ولهذا تكاد تنحصر المريدية في السنغال وأفريقيا الغربية، دون أن يكون لها توسع جغرافي أبعد من ذلك، اللهم إلا من انتقل من أتباعها إلى خارج السنغال حاملًا معه انتماءَه الصوفي.

يضيف “السنى” أن الطريقة المريدية تعني في أصل معناها: الذين يريدون الوصول إلى الله، واسم “المريدية” يرجع إلى مصطلح معروف وشائع في الفكر الصوفي ألا وهو “الإرادة”، التي يعرِّفها القشيري في رسالته بقوله: بدء طريق السالكين، وهي اسم لأول منزلة القاصدين إلى الله تعالى، وإنما سميت هذه الصفة: إرادة؛ لأن الإرادةَ مقدمةُ كلِّ أمرٍ، فما لم يُردِ العبدُ شيئًا لم يفعله، فلما كان هذا أوَّلَ الأمر لمن سلك طريق الله عز وجل سُمي: إرادة تشبيهًا بالقصد في الأمور الذي هو مقدمتها، و”المريد” على موجب الاشتقاق: من له إرادة.

الرئيس السنغالي ماكي سول في حضرة شيخ المريدية

الطريقة المريدية: النشأة والمؤسِّس:

قال المستشار مرتضى بوسو مسئول العلاقات الخارجية بالطريقة المريدية، إن الطريقة المريدية ظهرت بداية القرن الرابع عشر الهجري أواخر التاسع عشر الميلادي (1893م)، إبان الاحتلال الفرنسي لأراضي السنغال، على يد مؤسسها “أحمد بن محمد بن حبيب الله بن محمد الخير بن حبيب الله بن محمد الكبير بن سعيد بن عثمان”، وهو المشهور في السنغال بالشيخ أحمد بمب (بمبا) والملقب أيضًا بالخديم أو خادم الرسول.

وتابع : ولقد اجتذبت الطريقة المريدية آلاف السنغاليين الذين التفُّوا حول مؤسسها؛ الأمر الذي أزعج الاحتلال الفرنسي وقتئذٍ، بالإضافة إلى وشايات نُقلت إلى الفرنسيين عن حيازة الشيخ أحمد وأتباعه لأنواع من الأسلحة؛ ما حدا بالاحتلال الفرنسي إلى نفي الشيخ أحمد بمب أولًا إلى الجابون في سبتمبر 1895م الموافق 1313هـ، ولم يعد منها إلا في شهر نوفمبر سنة 1902م.

ثم لم يلبث أن نفاه الاحتلال الفرنسي مرة ثانية إلى موريتانيا في يونيو سنة 1903م، قبل أن يعود منها مجددًا في أواخر شهر أبريل 1907م، لكنه ظل قيد الإقامة الجبرية من لدن هذا التاريخ إلى 1927م وهي سنة وفاته.

وأشار : يبدو أن الفرنسيين لم يأمنوا جانب الشيخ أحمد بمب إلا بعد أن أصدر (فتوى تحصر الجهاد في جهاد النفس والترفع عن كل ما هو دنيوي ومادي)،وقد عدَّ بعض المعاصرين الشيخ أحمد بمب (من أقطاب الأمة فى القرن العشرين) وقال في شأنه: (من مشايخ الصوفية مَن لم يرفعوا سيفًا ولا بندقية فى وجه أعداء الله، ولكنهم راحوا فى ثبات عظيم يشيدون بناء الإسلام فى القلوب، ويوسعون رقعته، ويبنون قلاعًا من الإيمان واليقين… من هؤلاء: صاحب هذه الترجمة الشيخ سيدى أحمد بمب).

 

شيخ المريدية في جلسه علمية مع أتباع الطريقة

يقول بعض منتقدى مؤسس الطريقة المريدية، أنه رغم ما ينسبونه إلى مؤسس الطريقة من فضل وعبادة وزهد، إلا أنك تجد في ترجمته أمورًا عجيبة ليست من الدين في شيء، بل وتقدح في عقيدة من يقول بها؛ ومن ذلك ما تجده في تراجمه عند بحثه عن مقر له ولأتباعه؛ يقول أحدُهم: (وفي أثناء ذلك حدَّثه العليمُ الخبيرُ وألهمه أنه سيهب له بلد دين وبركة ولكن لم يعين له موضعًا)، وبعدها بأسطر يضيف: (فحدَّثه اللهُ إثرها أن البلد الذي وعده إياه هو ما حول الشجرة التي نزل تحتها عند الظهيرة للصلاة في طريقه هذه)، وكما هو معلوم فقد انقطع الوحي بموت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكيف يُقال مثل هذا ويساق في الحديث مساق المدح للرجل؟!

وأبعد من هذا ما تتناقله بعض الروايات من أن الشيخ أحمد بمب بنى مدينة طوبى (طوبة) عندما رأى نورًا يغشى الأبصار عند شجرة معينة، وأن جبريل عليه السلام وعده بأن المكان حول هذه الشجرة سوف يتحول إلى مدينة مركزية روحية، لها شهرة كونية، ويأتي إليها العالم كله للتوبة والاستغفار.

فكأن أتباع الشيخ أحمد يضعونه في مرتبة الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه الموحى إليهم من الله تبارك وتعالى، أو ربما هو أعلى مرتبةً وفق اعتقادهم؛ حيث إن أمين وحي السماء جبريل عليه السلام وعده بما ستكون عليه المدينة المختارة في ما يستقبل من الأيام، وهذه من الانحرافات الكبيرة لدى المريدية، ومما ينتقد عليه شيخ الطريقة ومؤسسها أنه ترك أتباعه ومريديه يبالغون في تقديسه على هذا النحو.

شيخ المريدية بالسنغال

ومن بين المآخذ التي يُنتقد بها مؤسس المريدية أنه ترك أتباعه يعتقدون بأن العمل الزراعي الذي يعود ريعُه إلى شيوخ الطريقة يعفيهم من أداء الفروض الدينية، وهذا يضاد صريح الدين، وهو ليس لأحد من الناس؛ فالله عز وجل هو من فرض هذه الفرائض وأمر الناس بإقامتها وتعبد الناس بها؛ فكيف يتم التهاون فيها إلى حد إعفائهم من أدائها مقابل دفع أموال تخدم الطريقة وشيوخها.

شيخ المريدية خلال جولته الشهرية

نفوذ الطريقة المريدية في السنغال

يقول أحمد القادرى الباحث فى الشئون الصوفية بالسنغال: إن الطريقة المريدية تعد أكثر الطرق الصوفية نفوذًا وسطوةً في السنغال وإفريقيا، على المستويين السياسي والاجتماعي، ويكفي أن نعلم أن رئيس البلاد “عبد الله واد”، هو أحد أتباع هذه الطريقة، ويحرص حرصًا بالغًا على حضور احتفالاتها، وكان في مقدمة الحاضرين إلى زيارة مدينة طوبى في الذكرى السادسة عشر بعد المائة لنفي الشيخ أحمد بمب، كما كان سبَّاقًا إلى تقبيل يد خليفة الشيخ أحمد، وتعهد بتحويل “ماغال” إلى عيد وطني لكل السنغاليين، وكل ذلك حرصًا على نيل دعم أتباع الطريقة ومريديها في الانتخابات الرئاسية.

يضيف “القادرى” أن الطريقة المريدية تعد حركة اجتماعية واسعة النفوذ في السنغال، وكثيرون من رجال الأعمال ينتسبون إليها؛ الأمر الذي يوسع من نفوذها في المجتمع السنغالي الذي يتهدده الفقر ويعيش أوضاعًا اقتصادية متعثرة، ويمتد نفوذ الطريقة الى العديد من الدول والبلدان الإفريقية، مثل نيجيريا والكاميرون وجنوب السودان.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *