الحمد لله السلام الذي خلق السلام وأنزل السلام، وحيا رسوله وأمته بالسلام، الحمد لله الذي جعل تحية أهل الجنة السلام، الحمد لله الذي جعلنا من أمة السلام والإسلام الحمد لله الذي أوصى في كتابه بالسلام، الحمد لله الذي تسمى بالسلام، الحمد لله الذي سمى الجنة بالسلام { لهم دار السلام} الانعام127
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وأفضل الصلاة وأتم السلام على من أرسله الله بدين الإسلام والسلام وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، وهو الذي كان يوصي لا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا أخرجه مسلم 1731، ورسول الله هو سيد المحسنين والداعين إلى رفع الظلم والسلام .
ونحن أتباع الطرق الصوفية بكل تنوعها نتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم ونتبع طريقته وهديه ومنهجه وسنته، وندعو إلى ما دعا إليه من إحلال السلام في نفس الانسان وبين الأفراد والمجتمعات، والفوز بالسلام أيضا في دار السلام.
السلام :-هو الأمان. المعجم الوسيط مادة سلم، وهو غاية ما يسعى اليه المرء، ولا يذكر نبي إلا ويقال معه عليه السلام{إن الدين عند الله الإسلام} ال عمران 19.
أصل التصوف مقام الإحسان الذي فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم:”بأن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك، لأنّ معاني صدق التوجه لهذا الأصل راجعة وعليه دائرة، إذ لفظه دال على طلب المراقبة الملزومة به فكان الحض عليها حضا على عينه، كما دار الفقه على مقام الإسلام والأصول على مقام الإيمان.
فالتصوف أحد أجزاء الدين الذي علَمه عليه السلام جبريل ليتعلمه الصحابة رضي الله عنهم، قواعد التصوف زروق الفاسي ص 5،أما تاريخ التصوف فيظهر في فتوى للإمام الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله، فقد سئل عن أول من أسس التصوف؟ وهل هو بوحي سماوي؟ فأجاب:
(أما أول من أسس الطريقة، فلتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما بيَّنها واحداً واحداً ديناً بقوله: “هذا جبريل عليه السلام أتاكم يعلمكم دينكم [جزء من حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه] وهو الإسلام والإيمان والإحسان.
فالإسلام طاعة وعبادة، والإيمان نور وعقيدة، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” ..ثم قال السيد محمد صديق الغماري في رسالته تلك: (فإنه كما في الحديث عبارة عن الأركان الثلاثة، فمن أخل بهذا المقام (الإحسان) الذي هو الطريقة، فدينه ناقص بلا شك لتركه ركناً من أركانه. فغاية ما تدعو إليه الطريقة وتشير إليه هو مقام الإحسان؛ بعد تصحيح الإسلام والإيمان) [“الانتصار لطريق الصوفية” ص 6 للمحدث محمد صديق الغماري].
بعد معرفة أن من أصول وقواعد الصوفية هو مقام الاحسان لا يخفى على ادنى ذي بصيرة ان من مقام الاحسان بث السلام في نفس المسلم وفي نفس الزوجه والأولاد وذريتهم وجيرانه وأرحامه وأهل بلده والناس أجمعين ولا يفوتنا الحديث الذي اخرجه البخاري ومسلم :- المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده«والمؤمنُ من أمِنَه الناسُ على دمائهم وأموالِهم». رواة الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وفي القرينتين حصرٌ، وهو يؤدي انتفاء اسم الإسلام والإيمان عند عدمِ سلامة الناس، وعدم الأمن منه، فمن كان مسلمًا ينبغي أن يشهدَ له عملُهُ، وهو سلامةُ الناس من لسانه ويده، ومن كان مؤمنًا يجب أن يأمَنَه الناسُ على دمائهم،وبدون ذلك، إسلامه وإيمانه، غير مصدَّقٍ من العمل، وإذا لم يصدَّق عمله، فإذن هو أمرٌ يدَّعيه هو، ولا ندري أهو كذا أم لا؟
فيض الباري على صحيح البخاري الكشميري 1/131.
وهذا هو خلق الصوفية الحقة كف للأذى وبذل للندى هذا وقد تخلق أهل التصوف بالأخلاق الحميدة التي تؤدي إلى المحبة والوئام والسلامة والسلام في الدنيا والآخرة، والتي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ركائز في المجتمع المدني الذي كان نواة للدولة الإسلامية فنشروا السلام من طرق عدة منها،اطعام الطعام اقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم أي الإسلام خير ؟ قال: ( تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) البخاري [ 6236 ]
أخرجه مسلم في الإيمان باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل رقم 39.
ومن ذلك ايضا افشاء السلام وبذل التحية وطلاقة الوجه مع المسلم وغير المسلم ممن ليس بحربي كما اشار الحديث السابق، ونشر الصوفية السلام عن طريق الدعوة إلى الله إمتثالا لأمر الله جل في علاه { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) } آل عمران.
فهؤلاء علماء الصوفية ملأوا الارض علما، أمثال:- معروف الكرخي، والحسن البصري، ومالك، وذي النون المصري، وسهل التستري، وابو سليمان الداراني، وابو طالب المكي، والحكيم الترمذي، وابو عبد الله الدينوري، وابو حامد الغزالي، وعبد القادر الجيلاني، واحمد الرفاعي، والعز بن عبدالسلام، وابن عطاء الله السكندري، واحمد البدوي، والبوصيري، وتقي الدين السبكي، وتاج الدين السبكي، وزكرياالانصاري، ومحمد الجزولي، وغيرهم الكثير الكثير .
وهؤلاء أتباعهم ومقلدوهم ومريدوهم قد ملأوا أصقاع الأرض، وكان للتجارة دور عظيم عند أهل التصوف في نشر السلام بين الناس ونشر رسالةالاسلام السمحة فأخلاق التجار المسلمين، كانت خير داعية إلي الإسلام الذي ينشر السلام.
قال تعالى {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لإيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} .
فالأمن من الخوف ونشر السلام هو من رسالة الاسلام التي حملها أهل الله والعارفون بالله، حمل الصوفية رسالة الاسلام التي تضمنت أعمق معاني الأمن والامان في دار الفناء ودار البقاء قال تعالى:- { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } (35) سورة إبراهيم وقال ايضا:- { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا 98} سورة ال عمران.
وفي سورة فصلت {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}، والله جل في علاه هو الذي يهب الأمان والسلام { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)} سورة يوسف.
وإذا قام خلفاء الله في الارض بواجبهم الذي أناطه الله بهم أعطاهم الأمن ومنحهم السلام{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} فصلت وضرب القرآن أروع الأمثلة التي تعبر عن أسباب جلب الأمن والسلام، أو الخوف والظلام.
قال جل من قائل:- { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) فصلت.
فالأمن والأمان من أهم مطالب الحياة والعيش في الوئام {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67)} العنكبوت، إن الأمن والسلام معنى شاملا في حياة الانسان ولا يتوفر الأمن للمجتمعات بمجرد أن يأمن الفرد على حياته فحسب، وإنما هذا جانب واحد من جوانب الأمن فلا بد من أن يأمن كذلك على عقيدته وعلى هويته الفكرية والثقافية وعلى موارد عيشه وعلى أمواله وغير ذلك.
فالصوفي له علاقة عميقة عريقة مع مجتمعه وأبناء عصره فهو كما ذكره ذو النون المصري َ، عون للغريب أب لليتيم بعل للأرملة خفي بأهل المسكنة مرجو لكل كربة مأمول لكل شدة لا يبخل وأن بخل عليه صبر .