نظمت مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، ليلة علمية وذوقية، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، حيث كانت ليلة نسوية بامتياز سواء من حيث التسيير أو من حيث المحتوى والمساهمات، وبثت فعالياتها عبر المنصات الرقمية.
انطلقت هذه الليلة الرقمية بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت القارئة وئام خليلي، وكانت المداخلة الأولى للدكتورة ماجدولين النهيبي حول “دور المرأة في التربية بالقدوة في السلوك الصوفي”، التي تطرقت ضمن مداخلتها الى ما أثاره مفهوم «النموذج» من عمق في التراث الفكري الإسلامي، مشيرة إلى البناء الهرمي الذي يتأسس عليه، جاعلة رأس الهرم هو النموذج الكامل الأوحد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مستدلة بقوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كثَيراً} سورة الأحزاب، الآية:21 لتعرض لبناء هذا الهرم الذي يتدرج من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصحابة الكرام المقتدين والمقتبسين منه، إلى التابعين ومن تبعهم بإحسان من الشيوخ العارفين المربين.
وأضافت أن مدارج الهرم يدور في فلكها الرجال والنساء على حد سواء، وركزت على دور المرأة المسلمة المتصلة بالنموذج التربوي المحمدي عبر الشيخ المربي في تقريب النموذج المحمدي الكامل إلى أبنائها وفق خيط نوراني، وأرجعت ما نشهده اليوم في مجتمعاتنا من تيه وارتباك في أمور تربية الأبناء إلى التخلي عن القدوة في التربية بمفهوميْها العام والخاص.
أما الدكتورة سعاد كعب أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، فتناولت في مداخلتها نموذج فاطمة الفهرية باعتبارها الإنسان الفاعل في بناء التاريخ المحلي بل الإنساني العالمي، من خلال المَعلمة الخالدة التي بنتها وهي «جامع القرويين» بفاس سنة 245هـ ، والتي تحولت مكتباتها إلى كراسي علمية متخصصة بشتى العلوم كالفلك والرياضيات والطب والرياضيات والفلسفة …عارضة بعض الأعلام الغربيين والعرب الذين تخرجوا منها، مثل بابا الفاتيكان «سلفستر الثاني» والفيلسوف والطبيب موسى بن ميمون، والشريف الإدريسي مؤسس علم الجغرافية وغيرهم.
وأضافت أن هؤلاء الأعلام قد برعوا في معارف وتخصصات دقيقة كالموسيقى والآداب وغيرها، ولا زال التاريخ يشهد تفوقهم، رغم مرور مئات السنين بصفتهم ركائز في تأسيس النهضة العالمية والمعرفية للبشرية انحدروا من جامع القرويين.
كما تناولت شمائل فاطمة الفهرية الأخلاقية وما اتصفت به من زهد وتجرد من الدنيا من خلال إنفاقها كل ما تملك من ثروات ورثتها عن والدها وعن زوجها على بناء جامع القرويين، وجمعها بين العلم والعمل.
لتختم مداخلتها بالإشارة الى أن فاطمة الفهرية بقيت حية بروحها في طوب هذا المسجد وأنفاسه، مستظهرة ببعض كتب الأعلام التي خلدتها واحتفت بسيرتها كابن خلدون في «المقدمة»، وأنها غيرت مسار مدينة ونقلتها إلى مستوى العالمية.
فيما كانت مداخلة الدكتورة أسماء بيكات من جامعة هيرتفوردشاير- الولايات المتحدة الامريكية باللغة الإنجليزية، تناولت من خلالها مميزات الرؤية الصوفية للمرأة في الفضاء الإسلامي بإعطاء نموذج خاص لها، حيث التعامل مع المرأة من حيث حقيقتها التي ذكرت في القرآن وعززتها السنة النبوية الشريفة، وأوضحت ان المرأة خاضت تجربة التصوف والعرفان ووصلت إلى مقامات عرفانية فكانت العابدة الزاهدة الصالحة العارفة منذ القرون الأولى، واستحضرت مجموعة من الشخصيات التي طبعت تاريخ الدين الإسلامي كرابعة العدوية التي تعتبر من الشخصيات المؤسسة للتصوف وصلاح النساء بعشقها الإلهي وتجربتها الصوفية العميقة وأقوالها البالغة المعنى، وكذا السيدة فاطمة الفهرية، كما أوردت المتدخلة مثال للمرأة الإفريقية وهي الأديبة النيجيرية السيدة نانا أسماء بنت محمد فودي، التي تعد من رائدات الأدب العربي النيجيري، مبينة تأثيرها الثقافي الكبير في أوساط النيجيريين.
واختتمت مداخلتها بالإشارة إلى النظرة الفريدة للصوفية عموما والطريقة القادرية البودشيشية خصوصا، حيث تحرص الطريقة على إعطاء المرأة المكانة اللائقة بها كونها تعبر عن تجربة روحية عميقة، وأنها عضوا فعالا في المجتمع تواكب حركة الحياة الدائبة في كل يسر وسهولة، وتشارك مجتمعها في شتى المجالات وتعمل على رقيه ورفعته.