“اللمسة الروحية وعلاج الاضطرابات والأمراض النفسية”… بقلم الباحث نوري جاسم

 

كثرت الأمراض النفسية والعضوية في هذا العصر ، وتعددت أنواعها وأشكالها ، وظهرت أمراض جديدة لم تكن موجودة في السابق ، واجتهد الناس في علاج ما أصابهم منها فبذلوا الأموال والأوقات ، ومع ذلك فإن الحالات المرضىية في المستشفيات والمصحات في إزدياد وإمتلاء ، وهذه الأمراض النفسية تنتشر نتيجة خلل في الوظائف المتعلقة في شخصية الإنسان ، وهذا الخلل يحصل نتيجة لحدوث انحراف عن السواء ، وفي هذه الحالة يصاب الإنسان بالضيق وعدم قدرته على القيام بأي عمل يتعلق بواجباته العامة ، أو بحياته الخاصة، وهذه الإضطرابات والأمراض النفسية تؤدي إلى شعور الإنسان بكراهية نفسه ولا يتقبلها.

 

وقد زاد في العصر الحديث عدد الأشخاص الذين يعانون من الأمراض النفسية ( الاكتئاب أو القلق ) من 416 مليون شخص إلى 615 مليونا بين عامي( 1990 – 2013 ) أي بنسبة 50% تقريباً ويتضرر 10% تقريباً من سكان العالم من الإضطرابات النفسية والتي تمثل 30% من نسبة الأمراض في العالم وأن حوالي 20 % من الأطفال والمراهقين في العالم لديهم إضطرابات أو مشاكل نفسية ، وينتج عن المرض النفسي الذي يُطلَق عليه أيضًا اضطرابات الصحة العقلية ، إلى مجموعة كبيرة من أمراض الصحة النفسية وهي اضطرابات تؤثر على مزاج وتفكير وسلوك الناس ، ومن جملة هذه الأمراض النفسية (الاكتئاب ، واضطرابات القلق ، وانفصام الشخصية ، الوسواس القهري ، الهوس ، واضطراب الشهية ، والسلوكيات التي تسبِّب الإدمان ).

 

وهذه الأمراض النفسية لها أسباب كثيرة فقد تكون أبتلاء من الله سبحانه وتعالى ، وقد تكون بسبب كثرة الرفاهية المادية ، والأهتمام بترفيه الأبدان واشباعها بالشهوات والملذات دون قيود أخلاقية ، وبدون تنقية النفوس وإصلاح القلوب ، وعدم إشباع الأرواح بطعامها النوراني ، وهذا يسبب الفراغ والجوع الروحي ، ويحدث خلل في التوازن ، فتغلب الماديات على الإيمان ، ويعم الظلام في النفوس ، فيولد الضعف وبسبب ذلك تتوالد الإضطرابات والأمراض النفسية ، ومن الأسباب المهمة لأنتشار الأمراض النفسية هو كثرة المعاصي والذنوب ، فكلّما كان الإنسان أعصى لربّه كان أشدّ قلقاً وأقل راحة وطمأنينة ، وأن ضعف الوازع الأخلاقي والإيماني هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم الإستقرار النفسي والطمأنينة والراحة إلروحية ، وتؤدي هذه الأسباب إلى حدوث الأمراض النفسية ، وأن علاج هذه الأمراض يحتاج إلى برامج طويلة ومتعبة ومرهقة ومكلفة ، وفي أكثر الأحيان لا تتحقق النتائج المرجوة بالشفاء التام ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل لكل داء دواء ، قال تعالى ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) وقال النبي سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( “إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام ) وأن الأمراض النفسية بكل انواعها من الممكن والمؤكد علاجها من خلال إتباع منهج روحي في العلاج ، وأن هذه الإمكانية الروحية في الشفاء الخارق المتعدد الأوجه والقدرات ، والذي لا يتعسر على الناس الذين يعانون من هذه الأمراض النفسية إلاطلاع عليه وبشكل مباشر ، والإستفادة منه بالتجربة الشخصية ، والتطبيق العملي لسلوك منهج التربية الروحية في الطريقة الكسنزانية ، الذي سماه السيد الشيخ الخليفة السلطان محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس سره ( اللمسة إلروحية ) وبها ينتقل النور المحمدي إلى قلوبهم وأرواحهم وذواتهم ، وهذا النور هو البركة التي يطلبها المريد لأي غاية شرعية ، ومنها طلب الشفاء من الأمراض ، حيث يسري تأثيرها روحياً إلى قلبه وروحه كسراج يقتبس من سراج.

 

وعلى أثرها تزداد قوة المريد الروحية وينموا نور الإيمان ، تحقيقاً لحديث الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( اللهم اجعل لي نوراً في قلبي ونوراً في قبري ونوراً في بصري ونوراً في شعري ونوراً في بشري ونوراً في لحمي ونوراً في دمي ونوراً من بين يدي ونوراً من خلفي ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي، اللهم اعطني نوراً اللهم اجعل لي نوراً ، اللهم عظم لي نوراً واجعلني نوراً ) وفي هذه اللمسة الروحية والإلتزام بها الشفاء التام بإذن الله سبحانه وتعالى ، بالهمة والطاقة إلروحية النورانية المباركة المتجددة بالإيمان الخالص والأوراد ، حيث يرى السيد الشيخ محمد المحمد الكسنـزان قدس الله سره ( ان القوة الروحية الموجودة في الطريقة الكسنـزانية ، هي قوة مطلقة لأنها مستمدة من مرتبة الروح الأعظم ، فما لها من نفاد ) وللحصول على هذه القوة والاستفادة منها ، يكون ذلك بأخذ ( اللمسة إلروحية ) بركة الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ، والإلتزام بمنهج السلوك فيها ليتحقق للمربد الاستفادة من هذه القدرة والبركة في الشفاء من الأمراض النفسية وغيرها من المشاكل والظواهر الأخرى.

 

ويؤم التكايا الكسنزانية المريدين من كل مكان وحضور حلقات الذكر الإلهي والتوحيد طلبا للرحمة والنور والبركة لأنها روضة من رياض الجنه ، ويزورها المرضى طلبا للبركة والشفاء ، وما أكثر المرضى الذين تشافوا بسبب ذلك ، والتجربة خير برهان ، لذلك يصف السيد الشيخ الخليفة السلطان محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس سره التكايا بيوت الذكر بقوله ( التكية مدرسة ومستشفى روحية ونفسية ) لأن مشايخ الطريقة هم أطباء القلوب ، وعلماء الروح ، وأساتذة التربية الروحية لإصلاح وتزكية النفوس ، ويؤكد السيد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكسنزان الحسيني حفظه الله رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في العالم ( أن العالم اليوم يعاني من انتشار الإضطرابات والأمراض النفسية وبشكل كبير ، وان السبيل الأفضل لعلاجها هو في منهج التربية الروحية في الطريقة ) وهو سبيل روحي رباني نوراني مجاني فيه خير للناس في الدنيا والآخرة ، وفيه صلاح إيمانهم وصحتهم ودنياهم واخرتهم ، وهو عين المنهج الذي ربى حضرة الحبيب سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم تسليما أصحابه عليه ، وأن الطريقة أوسع وأعمق من مسألة الشفاء الجسدي أو النفسي ، والذي ينتقل بواسطته الإنسان الى الراحة والحياة الروحية الدائمة ، والتي فيها الراحة النفسية والإجتماعية وفيها الطمأنينة الحقيقية ، والإستقرار الروحي والنفسي ، قال تعالى ( الا بذكر الله تطمئن القلوب ) وهذا الاطمئنان الذي يصل الإنسان بواسطته إلى إصلاح وشفاء حالته النفسية والصحية ، بصدق التقوى والإلتزام بمنهج عبادات الطريقة من أداء الصلاة وذكر الله والتسبيح والدعاء والأستغفار والصلاة على النبي وحلقات الذكر وورد العصر والأوراد اليومية والدائمية ، وأنوار وبركات هذه العبادات تمدنا بأعظم قوة روحية ونظام للتدريب الروحي والنفسي في الكون ، وتوفر لنا حالة من الاسترخاء والهدوء والطمأنينة ، مما يساهم في التخلص من القلق والتوتر العصبي ، وأن العلاج الروحي في الطريقة للأمراض النفسية يقوم بمعالجة المشكلات أو الاضطرابات أو الأمراض التي يعاني منها المريض ، والتي تسبب أثاراً سلبية في سلوكه وتصرفاته.

 

مما يستدعي التدخل لمعالجتها وإزالة الأعراض ، وتعطيل آثارها السلبية على المريض ، مما يجعله أكثر توافقاً مع نفسه ومع من حوله وسهولة التعايش مع بيئته ، وأن أساليب ومفاهيم الطريقة وأخلاقياتها في علاج هذه الأمراض النفسية تعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ومنهج التربية الروحية لمشايخ الطريقة ، الذين اهتموا بكل جوانب الحياة ومفرداتها ألدنيوية والأخروية ، والتي تهدف إلى تحقيق الأمان والإستقرار ، وتحقيق السلام والطمأنينة والأمن النفسي لأبناء المجتمعات البشرية ، والعلاج النفسي الروحي في الطريقة الكسنزانية يقوم على مفاهيم وأساليب ومبادئ روحية أخلاقية ، وهو منهج ( توجيه ، وإرشاد ، وتربية ، وتعليم ) وغرس روح الأمل والإيمان والرجاء لدى المريض ، وتقوية الهمة والإرادة والعزيمة ، مما يعزز معرفة الفرد لربه ولنفسه ، وتنمية القيم والمبادئ الروحية والأخلاقية ، أن العلاقة بين تطبيق منهج ألطريقة بشكل عملي والصحة النفسية ، هو من أسمى صور الدعم الروحي والطمأنينة للفرد والمجتمع ، وهذا العمل يرشد ويوجه ويعالج ويربي ويعلم ، فهو يشمل جميع جوانب الحياة بشكل متناسق ومتوازي ، ويمنح الفرد والمجتمع استقرار نفسي وروحي ، فعندما يتعرض الإنسان لأعراض خارجية من ضغوطات وتمزق داخلي وصراعات ، تكون الطريقة الباب المفتوح الذي يتوجه إليه الأفراد لإعادة التوازن النفسي والروحي والمادي ، قال تعالى : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) فالطريقة تكون للإنسان حصناً ودرع يحتمي به من ضغوطات الحياة وتقلباتها ، دون سخط أو ضجر ، بقوة الإيمان والصبر واحتساب الأجر والرضا واليقين التام ، بأن القادم والذي سيكون كله خير ، وهذا يمنح الفرد التمتّع بالصحة النفسيّة والشعور بالسعادة والأمل والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر ، وإن من أعظم الأمور التي تجعل الإنسان مطمئنًا هو الإيمان بالقضاء والقدر ، وان عدم اليقين وضعف الإيمان بالله ، وتصديق الأوهام من الممكن أن تصيب الإنسان بالمرض والتعب سواء أكان نفسياً أو جسدياً.

 

وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن ذلك فقال :”انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا همّاً”. ، وان عدم التوكل على الله تعالى حقيقة ، قد يؤدي إلى تعلق قلبه بغيره من المشعوذين والسحرة ، وقد يتوكل عليهم في أموره الحياتية ، ولكنه لا يدرك أنهم لا يزيدونه إلا همّاً وغمّاّ وخبالا , وهذه الهموم والغموم لها دور كبير في وجود المرض النفسي لدى الإنسان ، فيجب على المرء أن يتوكل على الله ، ومن يتوكل عليه فهو حسبه ، وخلاصة القول إن كل هذه الاضطرابات والأمراض النفسية الحرجة ، من السهولة بل ومن الممكن ان تعالج في خطوات تطبيق منهج التربية الروحية في الطريقة الكسنزانية ، ونبدء من التحصين والحماية ابتداء قبل الوقوع في هذه الحالات ، والوقاية خير من العلاج ، ومن ثم سلوك منهج الطريقة المبني على إلايمان بالله سبحانه وتعالى والصلاة وتلاوة القرآن الكريم والأذكار والأوراد والأستغفار والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، بمنهج روحي صوفي كسنزاني متكامل ، حدده مشايخ الطريقة أطباء القلوب والنفوس من الصيدلية الربانية ، من أجل الصفاء والارتقاء والتفاؤل والشفاء التام بإذن الله سبحانه وتعالى ، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى اله وصحبه وسلم تسليما .

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *