“الطريقة الكسنـزانية سلسلة نورانية مباركة”.. بقلم نوري جاسم _العراق

الشيخ محمد المحمد الكسنزان.. شيخ الطريقة الكسنزانية بالعراق والعالم

 

مصطلح الطريقة يقصد به طريق القرآن الكريم ونهج الرسولﷺ وآل بيته وأصحابه الكرام ، أي الطريق المستقيم الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الفاتحة ( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم )( ٦ ، ٧ ) أي طريق النور والهداية ، طريق الحق للوصول إلى الله جل جلاله ، ويعود أصل علم التصوف والطريقة كسلوك وتعبد وإقبال على العبادات ، واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس ، وكثرة ذكر الله سبحانه وتعالى والصلاة على النبي والأستغفار ، إلى عهد رسول الإسلام وعهد آل البيت والصحابة وأنه يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة
وفاز وسعد في الدنيا والآخرة من التزم به واستقام عليه ، قال تعالى ( ولو استقاموا على الطريقة لأسقيناهـم مـاءً غدقـا ) ( الجن١٦ )، وقد ذكر الحافظ السيد محمد صديق الغماري رحمه الله عندما سئل عن أول من أسس الطريقة وهل هي بوحي سماوي ؟ فأجاب أما أول من أسس الطريقة فلتعلم إن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي ، إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي محمد ﷺ بعد ما بينها واحدا واحدا بقوله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) وهو الإسلام والإيمان والإحسان .

فالإسلام إطاعة وعبادة ، والإيمان نور وعقيدة ، والإحسان مقام مراقبة ومشاهدة . وهو أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ، من ذلك يتبين إن إطلاق اسم الطريقة على منهج السلوك والعبادة والذكر ليس كأطلاق اسم معين على مولود جديد من بني آدم بل يمر ذلك الإطلاق بتطورات تبعا لتطور ذلك المفهوم كما هو الحال في مصطلحات (القراء ، والفقهاء ، واهل الحديث واهل التفسير ) ذلك إن أناسا ظهروا فاختصوا بقراءة القرآن الكريم من الرعيل الأول فسموا بالقراء ، وظهرت جماعة تعنى بالحديث فسميت بالمحدثين وتكونت جماعة تعنى ببيان الرأي والفتوى في الأحكام الشرعية سميت بالفقهاء ، ثم اعترت هذه المصطلحات تطورات معروفة في الدلالة على معانيها كما هو الحال في المستحدثات الجديدة كالميكانيكي والكهربائي وغيرها من التسميات ، وأن منهج التربية الروحية لأهل التصوف والعرفان هو عين المنهج المحمدي الذي تربى عليه الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ، علما أن كل الصحابة متصوفين وأهل ورع وتقوى ، وعبادة ومجاهدة للنفس ، وكانوا قرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ، يتنافسون على محبته والإقتداء به ، في اقواله وأفعاله وأحواله ، حركاته وسكناته قال تعالى ( َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب ٢١).

وهذه مدرسة المدينة المنورة ، أعظم مدرسة روحية في التأريخ الاسلامي والتي تربى فيها خيرة الصحابة من أهل الصُّفّة الذين تمسكوا بالقرآن الكريم وبقدوتهم حضرة الرسولﷺ فكانوا بحق أنوار تمشي على الارض عبادة وذكر وصيام وقيام وصدق وإخلاص ، وأخلاق محمدية ، وقد ذكر النبي ﷺ انه قال ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يـبطش بها ورجله التي يمشي بها ، وان سألني أعطيته وان استعاذ بي أعذته ) وهذا حال المؤمنين الصادقين ، وهذه ثمرة التربية الروحية للصحابة على يد استاذهم ومعلمهم النبي الكريم
وقد ذكر أن رسول الله ﷺ لقي رجلا من الصحابة يقال له حارثة فقال ( كيف أصبحت يا حارثة ، قال : أصبحت مؤمنا حقا ، فقال ﷺ: إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك قال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني انظر إلى عرش ربي ، وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني اسمع عواء أهل النار فقال صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ، لقد عرفت يا حارثة فالزم ) واستمرت ثمرة التربية الروحية للصحابه والتابعين بعد انتقال حضرة الحبيب صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ، على يد الإمام علي كرم الله وجهه ، الإمام الثاني في الطريقة بعد الرسول ﷺ وموضع سره وثقته وقال في حقه ما يعظم شأنه فوق كل ذي شأن فقال في موضع غدير خم ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ) فأصبح بحق إمام أهل الطريقة وبابها عملا بقول الرسولﷺ ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) ومن بعد الإمام علي عليه السلام ، انتقلت الطريقة بسلسلتين الاولى الذهببة ، وهي سلسلة آل البيت ، حيث انتقلت إلى الأمام الحسين عليه السلام ، ومنه إلى يد الإمام علي زين العابدين عليه السلام ، ومنه إلى يد الإمام محمد الباقر عليه السلام ، ومنه إلى يد الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، ومنه إلى يد الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، ومنه إلى يد الإمام علي الرضا عليه السلام ، ومن ثم وصلت إلى يد الشيخ معروف الكرخي قدس سره ، والسلسلة الثانية ، إلى يد الشيخ الحسن البصري قدس الله سره ، ومنه إلى يد الشيخ حبيب العجمي ، ومنه إلى يد الشيخ داود الطائي ، ومنه إلى يد الشيخ معروف الكرخي ملتقى سلسلتي وجناحي الطريقة ، ومن ثم انتقلت الطريقة من شيخ إلى شيخ حتى وصلت إلى سلطان الأولياء والباز الأشهب السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره ، فأنشأ مدرسة كانت الوحيدة في عصره ، اهتدى بها الناس إلى طريق الحق وأصبحوا سالكين على نهج طريقته ، حيث إن كثيرا من المدن والبلدان في مشارق الأرض ومغاربها ، فتحت في عهده ودخلوا في دين الله أفواجا ، ومن بعده انتقلت الطريقة من شيخ إلى شيخ حتى وصلت إلى السيد الشيخ إسماعيل الولياني قدس الله سره الذي وسع من انتشارها في مناطق كردستان العراق ، وانتقلت الطريقة من شيخ إلى شيخ حتى وصلت الى السيد الشيخ عبد الكريم الشاه الكسنـزان قدس الله سره الذي أنار الآفاق بنور جده المصطفى سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه واله وصحبه وسلم ، والذي أصبح علما من أعلام الطريقة والهدى ومنارا للهدى والإرشاد ، وأسس مدرسته الكسنـزانية في علوم الشريعة والطريقة ، والتي كان لها دور في نشر قيم الدين الإسلامي ومبادئه السامية ، وقد أنجبت المدرسة الكسنـزانية رجالا مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأصبحوا دعاة للطريقة وهداية الناس إلى طريق الخير والمحبة فكانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتبعون سبيل الرشاد ، ومن ثم انتقلت الطريقة إلى يد الشيخ عبد القادر الكسنزان قدس الله سره ، ومنه إلى يد الشيخ السلطان حسين الكسنزان قدس الله سره ، ومنه إلى يد الشيخ عبد الكريم الثاني الكسنزان قدس الله سره ، ومنه إلى يد الشيخ السلطان محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس الله سره ، والذي وسع رسالة الإرشاد الكسنزانية فأصبحت عالميه ووصلت أنوارها إلى أكثر من إثنين وتسعين دولة ، ومن بعده السيد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكسنزان الحسيني حفظه الله رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في العالم ، فتوسعت وتألقت الطريفة الكسنزانية وهي تشع بالنور والرحمة تهتدي بها النفوس من الظلمات إلى النور المحمدي الأعظم ، وتبني المجتمعات الفاضلة الكريمة بالأخلاق والإخلاص الحقيقي النوراني المأذون المبارك ، وهي تنشر القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية بين المحتمعات لما فيه خير ونفع البشرية .

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *