“المجالس الثقافية الصوفية في بغداد”… بقلم الباحث نوري جاسم

الشيخ محمد المحمد الكسنزان.. شيخ الطريقة الكسنزانية بالعراق والعالم

 

المجالس الثقافية الصوفية والأدبية في بغداد لها رونق مفعم بالعلم والجمال ، وإذا اجتمع العلم والجمال في مكان فاعلم أنها بغداد ، هكذا يقول مبدعوها ومحبوها وعشاقها فعلى ضفتي دجلة وعلى جانبيها الكرخ والرصافة كانت تعقد المجالس الثقافية الصوفية والأدبية في بيوتات بغداد القديمة ومساجدها وحسينياتها وتكاياها الصوفية وكنائسها وملتقياتها ، وكان لهذه المجالس مواعيد ثابتة في الزمان والمكان.

وتقام جلسات حوارية نقاشية فكرية ثقافية روحية صوفية وإجتماعية وأدبية ، وقد تكون هذه الحوارات والنقاشات بعد إلقاء محاضرة من قبل شخص ملم بموضوع معين من ذوي الخبرة والقدرة في مجال معين ، أو من ذوي الكفاءة في علم من العلوم ويمتد تاريخ هذه المجالس إلى العصر العباسي ، ولم يكن يخلو قصر أو جامع أو زاوية آنذاك من هذه المجالس التي يتسامر فيها العلماء والأدباء والشعراء مع الأمراء والأعلام من أهالي بغداد وذلك عندما كانت المدينة بغداد قبلة العلماء والشعراء والفقهاء والأدباء ، يأتون إليها من شتى بقاع الأرض ، وتتنوع المجالس المجتمعية التي كانت تعقد في البيوت أو في الجوامع والحسينيات أو في التكايا الصوفية.

الشيخ محمد المحمد الكسنزان.. شيخ الطريقة الكسنزانية بالعراق

و كان لعلماء الدين وشيوخ الطرق الصوفية مجالسهم الحافلة بالأدب والشعر والقصص ، بالإضافة إلى العلوم الصوفية والشرعية ، ومن أبرزها مجلس السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس الله سره رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في العالم ، ومجلس آل الصدر في مدينة الكاظمية ، ومجلس منتدى الإمام أبي حنيفة وغيرها وتعقد هذ المجالس أسبوعيا أو شهريا ، ومن المجالس الثقافية البغداديه مجلس مكتبه الجوادين ودار المعرفة المندائي ، ومجلس ملتقى حسين الاعظمي الثقافي ومجلس الجواهرية الثقافي ومجلس الشعرباف الثقافي ، ومجلس الغبان الثقافي ومجلس ، ومجلس المخزومي الثقافي ، ومجلس رواق المعرفة الثقافي ، ومجلس الصفار الثقافي.

وهناك مجالس قديمة تعبر عن تاريخ بغداد في القرن الماضي ، مثل منتدى الاب انستاس ماري الكرملي ، ومنتدى الاديب والشاعر العراقي مير البصري ومجلس الشيخ أحمد الظاهر ومجلس الدكتور حسين محفوظ ومجلس الشيخ جلال الدين الحنفي ومجلس شرقية الراوي ، ويتداول العراقيون مثلا قديما يقول إن “المجالس مدارس” لما لها من تأثير على المجتمع بفئاته المختلفة ، بل كانت رديفة للمدارس والمعاهد في بعض الأحيان ، وبغداد وحدها كانت تضم أكثر من 200 مجلس وصالون ثقافي خلال ثلاثينيات ‏وأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ، غير أن هذه المجالس والصالونات بدأت بالاختفاء واحداً تلو الآخر ، بسبب الظروف والصعوبات التي مر بها العراق ، وفي هذا المقال سنسلط الضوء على أبرز هذه المجالس الثقافية والصوفية في بغداد ،الا وهو مجلس السيد الشيخ السلطان محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس الله سره رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في العالم ، والذي كان يعقد بشكل شبه يومي في مطلع الثمانينات في بغداد الكرخ في التكية الكسنزانية في نفق الشرطة ، وهذا المجلس امتداد طبيعي لمجلس والده السيد الشيخ عبد الكريم الثاني قدس سره في كركوك ، وهو امتداد لمجلس اخيه الاكبر السلطان حسين الكسنزان قدس سره ، وابيه السيد الشيخ عبد القادر الكسنزان قدس سره ، ووالده السيد الشيخ عبد الكريم شاه الكسنزان قدس سره وهو مستمر بعد انتقال حضرة السيد الشيخ السلطان محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس سره ، تحت راية السيد الشيخ شمس الدين محمد نهرو الكسنزان الحسيني حفظه الله رئيس الطريقة العلية القادرية الكسنزانية في العالم.

الشيخ محمد الكسنزان شيخ صوفية العراق

وكان لمجلس السيد الشيخ محمد المحمد الكسنزان الحسيني قدس سره في بغداد نظام رائع وبديع ، لما كان يتمتع به الشيخ من ملكة فكرية وثقافية وعلمية رائعة ، واهتمام في شتى العلوم ، وكان ذو شخصية مؤثرة في كل من يلتقي به، وكان رجل ذو قوة روحية عظيمة وصاحب منهج وسلوك رباني تكسوه الهيبة والأخلاق الحميدة التي ورثها من آبائه وأجداده عن ال البيت عن جده سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم تسليما، وكان يحضر مجلسه النخب الثقافية والدينية والإعلامية والتربوية التعلمية والاجتماعية ، وحتى السياسية ، وتتم في هذا المجلس مناقشة كافة المواضيع وفي شتى المجالات والأختصاصات في العالم.

شيخ الكسنزانية بالعراق

وكان هذا المجلس يستقطب المهتمين بالشأن ‏الثقافي والصوفي والعلمي والأدبي والإجتماعي ، ممن لديهم حافظة كبيرة للأستذكار ، من الكتاب ‏العراقيين والأدباء والشعراء والعلماء في الإجتماع والفلك والتأريخ ، وكان الشيخ الكسنزان يعمل جاهدا على أن يكون مجلسه موسوعيا يضم جميع العلوم والثقافات والفنون ، وكان مجلسه حريص على أستذكار الرموز العراقية والإسلامية ممن قدموا عطاءهم لبناء حضارة العراق والمسلمين والعالم ، معتبراً ذلك جزءاً من الوفاء الذي يستحقون.

وكان يزور المجلس الكسنزاني العلماء ليلقوا وجهات نظرهم ضمن اختصاصاتهم العلمية ، وفي بعض الأحيان يلقون محاضرات على مريدي الطريقة الكسنزانية الذين يحضرون مجالس الذكر في التكية ، وعالم الدين يتكلم الدين ، والطبيب يتحدث عن الطب ، والكيماوي عن الكيمياء والمؤرخ عن التاريخ والمهندس الزراعي عن الزراعة ، وغير ذلك من النشاطات والفعاليات الثقافية والصوفية ، وكانت تلقى في هذا المجلس القصائد والأشعار بحق الحبيب سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم تسليما وبحق آل البيت والصالحين ، وتطرح فيه المواضيع والمشاكل للنقاش والشخصيات التي كانت تحضر في أغلبها معروفة ، امثال الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع الأول في العراق في سنين عمره الأخيرة والدكتور حسين محفوظ ، وعالم الفلك الدكتور حميد مجول النعيمي والشيخ عداب الحمش ، والدكتور حسين أمين ، والدكتور عبدالله سلوم السامرائي ، والدكتور الحارث عبد الحميد ، والدكتور كامل مصطفى الشيبي ، والدكتور فاضل خليل والشيخ جلال الدين الحنفي والدكتور حميد علي هدو وأخيه محمد علي هدو ، والدكتور عماد الطالباني ، والدكتور مكي عمران والاستاذ عبد الرحمن المرشدي والاستاذ صبري الرماحي ، والشيخ عبد القادر الخطيب ، والشيخ رافع الرفاعي ، والشيخ عبد الرزاق السعدي ، والشيخ أحمد الكبيسي والقارئ علاء الدين القيسي ، والقارئ محمد سعيد النعيمي ، والسيد علي عبد الكريم المدني ، والشيخ ابراهيم درباس ، والدكتور عبد السلام الحديثي ، والدكتور لؤي فتوحي والدكتور جمال حسين نصار والدكتور عبد الرحمن العاني ، وخبير الآثار بهمان ابو الصوف ، والدكتور جعفر عليوي ، والدكتور الشاعر علي فايز ، والأستاذ ستار البرزنجي والاستاذ زهير القيسي ، والدكتور في علم الفلك مجيد جراد ، والدكتور كامل الكبيسي ، وأعضاء اتحاد المؤرخين العرب ، والدكتور أسامة الألوسي ، والدكتور بكر البرزنجي والدكتور الفنان فاضل عواد ، والدكتور خالد الخطيب ، والشاعر خالد البارودي ، والدكتور عامر الحديثي.

محمد المحمد الكسنزان شيخ صوفية العراق

واعداد واسماء كبيرة لا يمكن احصاءها في هذا المقال ، وكانت تحضر المجلس نخب دبلوماسية أمثال الدكتور قاسم سلام من اليمن وادموف رئيس مجلس الشورى في الشيشان ، ورؤساء البعثات الدبلوماسية في بغداد أمثال السفير الباكستاني ، والسفير الهندي، والسفير الصينى، والسفير اليمني والسفير الماليزي، والسفير الروسي والسفير السوداني ، والسفير التركي والسفير الأندونيسي ، والسفير الأفغاني وكثير من أعضاء هذه السفارات وكانت تزور الشيخ في مجلسه إعداد كبيرة من الوفود من شتى بلدان العالم وشخصيات مهمة في مجال الثقافة والعلوم ، وكان لهذا المجلس الكسنزاني دور كبير في نشر قيم المحبة والسلام والتسامح بين الناس ، وبالفعل الحقيقي وفي أصعب الظروف كانت هذا المجالس تشع بالنور والرحمة والمودة بين الناس .

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

1 فكرة عن ““المجالس الثقافية الصوفية في بغداد”… بقلم الباحث نوري جاسم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *