دخلت “الصوفية اليوم” إلى خلوة الطريقة الجهرية النقشبندية فى مدينة موجيانج الصينية، خلال زيارتها الأخيرة للصين، حيث التقت هناك بأتباع الطريقة الذين أكدوا أن طريقتهم وشيخها الحبيب عبدالرؤوف اليمانى، يقومون بدور كبير ومحورى لنشر الدين الإسلامى فى بلاد الصين بالحجة والدليل.
وأشار “مريدو الطريقة”، إلى أن هذا الدور لا يقل أهمية عن الدور الذى تلعبه المؤسسات الدينية فى العالم الإسلامى، مثل الأزهر الشريف، والجامعات الاسلامية، والطرق الصوفية، وذلك لأن فى بلاد الصين لا توجد جامعات إسلامية، والبديل لذلك هى الطرق الصوفية وتحديدًا الطريقة الجهرية النقشبندية، حيث اعتنق خلال الـ 5 سنوات الأخيرة آلاف البوذيين الدين الإسلامى على يد شيخ الطريقة الجهرية، الأمر الذى أحدث حالة من الاستغراب لدى الصينيين، الذين تساءلوا كيف استطاع الشيخ الحبيب اليمانى شيخ صوفية الصين، إقناع
الناس بالدخول فى الإسلام.
“الجهرية النقشبندية”.. مؤسسها زار مكة وعرف التصوف فى اليمن
قال الدكتور علي الصيني المسئول الثقافى بالطريقة الجهرية النقشبندية، إن الطريقة الجهرية النقشبندية هى إحدى الطرق الصوفية في الصين، وسميت بـ”الجهرية” لأن أتباعها يدعون إلى الذكر وقراءة القرآن جهرا وتنسب هذه الطريقة إلى مؤسسها “ما مينغ شين” (1719-1781) واسمه العربي: إبراهيم، ولد في مقاطعة قانسو وتكفله عمه بعد وفاة أبيه، ودرس اللغة العربية والعلوم الإسلامية ثم خرج مع عمه إلى مكة لأداء فريضة الحج عام 1728، فتخلف عن عمه في بخارى، حيث بقي فيها مدة ثم ارتحل منها إلى اليمن حيث درس النقشبندية الصوفية هناك.
وأضاف “الصيني” فى حديثه لـ “الصوفية اليوم”، قائلا: مؤسس الطريقة زار مكة وأدى فريضة الحج مرارا، ثم عاد إلى الصين عازما على نشر ما تعلمه وتصحيح بعض الأخطاء التي كانت سائدة بين المسلمين الصينيين، ولأن “ما مينغ شين” كان فقيرًا، فقد كان يشفق على الفقراء ويحس بهم، ولما عاد إلى بلدته وجد الطوائف الصوفية هناك تتنازع فيما بينها، وكلٌ يتفنن في ابتداع وسائل لجمع المال والأتباع وبناء القباب والمساجد وتزيينها، وكانت أغلب هذه الأموال تحصل من الفقراء والعوام، وهذا كان يزيد من صعوبات الحياة لديهم.
وأشار “الصيني” إلى أن مؤسس الطريقة حدد منهجه في الدعوة بإنكار جمع الأموال من المريدين وعوام الناس، بل دعا إلى ضرورة رعايتهم والتصدق عليهم، وإنكار بناء القباب والمساجد الفاخرة والمزخرفة، وتوفير هذه الأموال لما ينفع الناس، وضرورة اختيار المرشد وفقًا لعلمه وفضله وأخلاقه، لا كما تفعل الطوائف الأخرى بأن يرث الابن أباه، وترديد الأذكار جماعيًا وبصوت جهوري لما له من وقع في النفس، لا أن يستأثر المرشد وخلفاؤه فقط بالتلاوة، وتحريك الجزء الأعلى من الجسم أثناء الذكر؛ حتى يعيش المؤدي بجسده وروحه في الذكر فتصفو نفسه.
وأوضح “الصيني” أنه بعد تحسن الأوضاع، استطاعت الجهرية أن تعود مرة أخرى للحياة، وانتشر مذهبها في مناطق كثيرة وحشد أتباعا كثر، لكنهم، وحتى يستطيعوا العيش وسط هذه الظروف، تخلوا قليلا عن بعض تعاليم “ما مينغ شين”، فأصبح منصب المرشد وراثيا، كما تخلوا عن مبدأ التخلي عن جمع الثروات، فأصبح عدد كبير من زعماء هذه الطائفة من ذوي الثراء، وعملوا على جمع الأموال وزخرفة مساجدهم.
وأكد “الصيني” أن الجهرية اليوم يعتزون بزعيمهم الأول “ما مينغ شين” باعتباره شهيدا قدم روحه فداء لمذهبه، وكذلك باقي أتباعه الذين قتلوا في الانتفاضات المسلحة، وقد سجلوا مآثرهم وتاريخهم كله في كتاب أسموه تاريخ الجهرية، وهم ينتشرون اليوم في مقاطعات شمال غرب الصين ووسطها.
ويتميز مريدو الجهرية النقشبندية عن غيرهم من الطوائف الصوفية بالطاقية سداسية الأركان التي ترمز عندهم لأركان الإيمان الستة (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر)، وشيوخهم -حتى اليوم- يحلقون جوانب لحاهم ويتركون وسطها تيمنًا بزعيمهم “ما مينغ شين” حين تعرض للتعذيب على يد حكومة أسرة تشينغ وحلقوا له جوانب لحيته.
خلوة الجهرية النقشبندية بموجيانغ.. هنا يدخل الصينيون الإسلام
حالة عجيبة من المحبة والهيام والروحانيات، تحيط بخلوة الطريقة الجهرية بالصين، فعند الدخول لحضرة الطريقة تشعر وكأنك قد انتقلت إلى مكان تحفه الملائكة من كل اتجاه، فذكر الله يعلو في المكان والتسابيح تستمر ليلا ونهارا لا تنقطع.
وقال الدكتور محمد قادرى من أتباع الطريقة الجهرية بالصين، إن كبار علماء البوذية الذين يأتون إلى الشيخ عبدالرؤوف اليمانى، يجلسون معه، فيحدثهم عن الدين الإسلامى، وكيف أن هذا الدين حرر الإنسان من العبودية والوثنية، فيخرجون من عنده مسلمين، فعندما نسألهم كيف تم هذا يقولون لقد رأينا كرامات للشيخ جعلتنا ندخل فى الإسلام، ونشهد أن لا اله الا الله وأن محمدًا رسول الله.
وتابع ” قادرى” أن الشيخ اليمانى، شهد له أعداؤه قبل أحبابه، إنه رجل صاحب كرامات وأقدار وأحوال، لذلك فإن مريدوه محفوظون من الله عزوجل، وهم متيقنون أن المولى يحفظهم من كل الشرور ببركة شيخهم اليمانى.
«الحضرة » مقدسة عند اتباع الطريقة بعد كل صلاة.. وأورادهم من الكتاب والسنة
تعتبر الحضرة، من الأمور المقدسة عند أتباع الطريقة الجهرية النقشبندية بدولة الصين، وتعتبر الحضرة مثلها مثل الصلاة، حيث لا يستطيع المريدين التخلف عن الحضرات، وينظم المريدون الحضرة النقشبندية بعد كل صلاة، خاصة بعد صلاة الفجر، حيث يتجمع المريدين فى كل مسجد وزاوية تابعة للطريقة ويجلسون فى شكل دائرى، ويبدأون بذكر اسم الله، ثم تريد “لا إله إلا الله” فى صوت جماعى جهورى، ثم ترديد الآيات القرآنية والآوراد التى كتبها شيخهم الحبيب عبدالرؤوف اليمانى، حيث تحدث حالة من الهيام والشوق الجارف للمولى سبحانه، عند الاندماج فى الحضرة، وترديد القصائد والأبيات والأناشيد الدينية الخاصة بالطريقة النقشبندية بالصين.
وتشارك المريدات الصوفيات فى الحضرة ولكن فى مكان آخر غير المكان الذى يتواجد فيه الرجال، حيث إن المساجد والزوايا فى الصين تنقسم إلى قسمين قسم خاص بالرجال وقسم خاص بالنساء، وما يفعله الرجال تفعله النساء، حيث يتجمع مقدمو الطريقة القدامى ليجمعوا المريدين حولهم فى كل المدن والقرى التى تنتشر فيها الطريقة الجهرية النقشبندية الصينية، لينظموا الحضرات ومجالس الذكر الصوفية والتى يعتقد المريدون أنها سر الاتصال الروحانى بالمولى سبحانه.