أكد الدكتور محمد توفيق البوطي أمام الجامع الأموي بدمشق ونجل العلامة الشهيد محمد سعيد البوطي، أن التصوف الإسلامي هو المنهج الإسلامي الحقيقي الذي يجب أن يتبعه كل الناس.
وأوضح “نجل البوطي” في حوار أجرته معه صحيفة الدستور المصرية إلى أن والد الشيخ سعيد البوطي كان من مريدي الطريقة النقشبندية، لذلك كانت تجمعه علاقة قوية بأهل التصوف.
وإليكم نص الحوار :.
■ كيف مرت عليك الذكرى السابعة لاستشهاد الشيخ البوطى الذى تعرض للاغتيال فى ٢١ مارس من عام ٢٠١٣؟
– فى الذكرى السابعة لاستشهاد الوالد ومعه حفيده ولدى أحمد ازداد حضورًا فى حياتنا بكل ما كان يحمله من فكر وروح وعواطف ومواقف.
لا أقول هذا بشكل عاطفى أو ادعاء، بل هو واقع نعيش فيه ويعيش معنا فيه الذين عرفوا الشهيد من أدنى الدنيا إلى أقصاها، فالشعب الإندونيسى أحيا الذكرى السابعة له، كما أحيا الذكريين الخامسة والسادسة لأن الصورة صارت اليوم أوضح، وفكره ومؤلفاته ودروسه المسجلة المرئية والمسموعة اليوم أكثر انتشارًا، ما جعل صورته الصحيحة تتجلى بعيدًا عن التشويه الوقح الذى عمدت إليه الدوائر الحاقدة، إلى جانب كونه محققًا علميًا متميزًا فى أصول الفقه والفقه المقارن، إلى جانب حواراته التى اتسمت بالموضوعية والهدوء وقوة الحجة. لقد ازداد حضورًا وتألقًا وقوة لا لشخصه ولكن للحق والهدى الذى كان يدعو إليه وينهض للإرشاد نحوه.
■ ما الرسالة التى توجهها إلى من اغتالوه؟
– الذين اغتالوا الوالد كانوا مجرد أدوات قذرة لتنفيذ أقذر جريمة تستهدف الإسلام، سواء من خلال الفتاوى الوقحة الحاقدة، أم من خلال الممارسة الفعلية ومحاولات الاغتيال التى تعددت فيما علمنا لأكثر من ٥ محاولات، ولكن الله قدّر أن يكون شرف استشهاده متميزًا بصورة تشهد له برفعة المنزلة، فى بيت من بيوت الله يتلو كتاب الله ويتدارسه مع طلبة العلم الأوفياء، تحفهم الملائكة وتغشاهم الرحمة، ويذكرهم الله فيمن عنده، ليرقى منهم أكثر من ٥٠ شهيدًا يتقدمهم الوالد، أقول للذين تآمروا على حياته: بعضهم نال جزاءه الدنيوى وبقى جزاؤه فى الآخرة، وعند الله تجتمع الخصوم.
وأشهر الفتاوى الحاقدة التى صدرت من رموز إخوانية ووهابية سلفية متشددة كانت من المنظّر الإخوانى يوسف القرضاوى القابع فى قطر، الذى أصدر فتوى بقتل الشهيد قبل نحو أسبوع من استشهاده، وآخر توعد بقتله قبل أيام، ثم اختفى صوتهما، وينبغى أن يعرف أن هذين وغيرهما أقل من أن يكونا صاحبى قرار فى قتل والدى، فقرار قتله جاء من جهة دولية، وهما وغيرهما مجرد أداة قذرة.
والعجيب أن الذين نفذوا جريمتهم أو أسهموا بها ألصقوا التهمة بغيرهم، وهذا شأن المجرم الجبان، يرتكب جريمته ثم يمسح يديه الملطختين بالدماء الزكية بغيره ليوغل فى الخسة والدناءة والإجرام، فقد تحدثوا واتهموا جهات أخرى لينالوا البراءة من جريمتهم.
ومن الواضح أن المجرمين مهدوا لجريمتهم بكثير من الافتراءات ضد والدى، لتشويه صورته، وليتقبل الناس جريمة قتله، إلا أن هذه الافتراءات لم تكن لتشوه نصاعة سيرته وإنما أضافت لجرائمهم جريمة الافتراء والكذب.
■ ما حقيقة تشبيهك الرئيس بشار الأسد ورجال حكومته بالنبى والصحابة؟
– أنا لم أشبه الرئيس بشار بالنبى ولا حكومته بالصحابة، ولكنى وصفت تصفيق حثالة الوطن الخارجين عليه للعقوبات التى تتعرض لها سوريا بأنه منتهى اللؤم، بينما رفض كرام قريش من المشركين وثيقة المقاطعة للنبى وبنى هاشم ومن بقى معه فى شِعْب أبى طالب ومزقوها.
ومما قلته يومئذ بالحرف الواحد: «وجهاء قريش من أهل الشهامة والمروءة ممن كانت لديهم بقية من الإنسانية والمروءة والشهامة والشرف، رأوا أن هذا التصرف لا ينسجم مع مقتضيات الشرف والمروءة، فتباحثوا فيما بينهم، ومنهم المطعم بن عدى وزهير بن أبى أمية وأبوالبخترى بن هشام وآخرون؛ وجدوا أن هذا الأمر فيه من الظلم ما لا ينسجم مع الإنسانية ولا مع المروءة والشهامة، فتشاوروا فى نقض تلك الصحيفة، وتزامن هذا الأمر مع وحى أتى النبى، صلى الله عليه وسلم، يخبره أن الله سلط على تلك الصحيفة الجائرة – على قانون أبى جهل – حشرة تسمى الأرضة، أتت على الوثيقة بكاملها إلا موضع اسم الله تعالى»، ثم قلت: «ما أشبه اليوم بالأمس قانون الظلم والبغى والعدوان الذى تصدره أمريكا التى قامت على الظلم والعدوان، تطالبنا بأن ننحنى، وأن ننهزم وأن نتخلى عن مبادئنا وعن سلامة وطننا وأمتنا، لم ننهزم أمام عدوانهم بكل ما أوتوا من قوة ومن عصابات دخلت هنا وهناك، نعم لم ننهزم، ولن ننهزم أمام الحصار، فهذه الشام التى تكفل الله بها»، فهل شبهت الرئيس بشار بالنبى أو شبهت رجال حكومته بالصحابة؟ وهل من إنسان لديه ذرة من الإنسانية، فضلًا عن الإيمان، يطرب لتجويع شعب هو فى الحقيقة المتضرر الأول والأخير من الحصار.
■ هل انتصر الجيش السورى على «داعش» والجماعات الإرهابية أم ما زال يحاربهما؟
– تنظيم «داعش» شىء وهمى، فهو لم ينزل من السماء ولم ينبع من باطن الأرض، وجوده مرهون بالدعم الذى يتلقاه، وأسلحته الضخمة ووسائله المتطورة ثمة جهات زودته بها. سرق ويسرق نفط سوريا، ثم باع ويبيع ما سرق لدولة مجاورة أمام أعين الأقمار الصناعية ووسائل الاطلاع على كل حركة وسكنة فى المنطقة.
والمعركة بين سوريا وأعدائها كانت حربًا بالوكالة، ثم صارت مواجهة مع الجهات المعادية الأصلية نفسها.
وحقيقة الأوضاع فى سوريا أن الإرهابيين الذين كانوا يلقون القذائف فى أنحاء دمشق لا يميزون بين بيت وشارع ومسجد ومدرسة قد رحلوا حاملين معهم أكياسًا وحقائب مملوءة بالدولارات دفعها لهم المتآمرون على أمتنا ثمنًا لتراب الوطن ودماء أبنائه.
ولا أقول هذا اتهامًا، بل هو حقيقة مشاهدة أمام أعين الجميع. ولذلك انتهت القضية، وفتحت بتلك الدولارات المعارض والمخازن والمصانع فى الدول التى احتضنتهم.
وتم تطهير بقية المحافظات كذلك، وبقيت المشكلة فى إدلب من جهة ومعها منطقة عفرين، كما جاءت القوات الأمريكية لدعم الانفصاليين فى شمال شرق سوريا.
■ تركيا نقلت متطرفين ومرتزقة دواعش من سوريا إلى ليبيا.. ماذا عن دور أنقرة فى تهديد أمن المنطقة؟
– تركيا لها دور فى المنطقة عهد إليها بتنفيذه، مقابل مكاسب وهمية ستجد أنها مجرد سراب، وهى لها مطامع اقتصادية فى بلادنا، مثل ليبيا التى أصبحت فريسة مطامع عالمية.
■ كيف شوهت جماعة الإخوان والتيارات السلفية الدين؟
– جماعة الإخوان تيار دينى فيه من التطرف والتشدد ما لا يقره دين ولا شرع، ولما دخلت مستنقع السياسة انحرف مسارها، وشيخها حسن البنا تجاوز حدّه ولم يحترم المرجعية العلمية العالمية المتمثلة بالأزهر أيام الشيخ الدجوى والخضر حسين، وولغ فى قضايا جزئية فجعلها عقدية، وانحرف تنظيمه وذهب ضحية أخطائه، بالإضافة إلى الانحراف الذى تم عبر تشكيل «التنظيم السرى»، حتى آل الأمر إلى الحالة التى وصل إليها: فكر متطرف وتكفيرى خارجى ينشر القتل والغلو. والسلفية كما قال والدى مرحلة مباركة وليست مذهبًا إسلاميًا، وللعدو مصلحة واضحة فى تمزيق الأمة إلى فئات متناحرة لإضعافها. فهؤلاء سلف وأولئك خلف مبتدعة، وهؤلاء صوفية منحرفون وأولئك على خير وهدى، بالإضافة إلى قضايا قديمة استثمرت، حتى عدوا المذاهب التى تمثل أرقى صور وحدة الأمة مظاهر فرقة بل وثنية جديدة وإذا توسلت بالنبى فأنت مشرك ومرتد.
■ ماذا عن الطرق الصوفية فى سوريا ودورها منذ بدء الحرب بين الجيش السورى والجماعات الإرهابية؟
– يصعب علىّ أن أذكر جميع الطرق الصوفية فى سوريا لأن عددها كبير جدًا، ففيها المعتدلون الذين كانوا صمام أمان فى منطقتهم فى مواجهة التطرف والتشدد، وفيها من يسعى لمجد شخصى أو فئوى، وكان جدى ينقل كلمة لا أنساها: كان التصوف حقيقة ولا اسم له، فصار اليوم اسمًا ولا حقيقة له.
دعنى من التسمية، الحقيقة أن التصوف الذى عرفته من خلال من عرفتهم من الصالحين هو الإسلام الحقيقى، ودونه لا يكون المسلم مسلمًا لأنه يعنى: حقيقة التوحيد وتزكية النفس وحسن الخلق والإخلاص والعبودية، وهل يتصور الإسلام بغير هذه الأمور؟
■ هل كان الشيخ البوطى ينتمى لأى طريقة صوفية؟
– نشأنا فى رعاية الجد، ملا رمضان البوطى، فى ظل تربية إيمانية خاصة، حيث كان يربينا بفكره ومشاعره، وكان فى سلوكه مدرسة قائمة بذاتها، وكان يتبع الطريقة النقشبندية، لكنه لم يعط الطريقة لأحد منا، وكان يقول دائمًا: «صحح صلاتك» وكان يستدل بهذا الكلام على ضرورة التفقه فى أهم العلوم الشرعية التى تصحح العقيدة والعبادات والمعاملات، وأنها مقدَّمة على أخذ الطريقة، ثم يرى أن الطريقة تتطلب وجود المرشد الكامل، وهو يرى أن المرشد الكامل غير موجود، وأعتقد أنه كان يتواضع بذلك، لأنه بنظرى كان مرشدًا كاملًا.
ووالدى لم يلتزم طريقة، ولم يعطه جدى طريقة، وإنما نشأ فى ظل تربية متميزة كما وصفت، وكان والدى موضع نظره وتوجيهه علميًا ومسلكيًا، ولعله عندما كان يرى فى جدى صورة تجسد قوله تعالى: «كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وبالأسْحَارِ همْ يَسْتَغْفِرُون» حيث كان قيامه الليل يبدأ قبل منتصف الليل، وربما صلى فى ركعتين أجزاء من كتاب الله مع التضرع والتبتل حتى إذا جاء وقت السَّحَر كانت له أوراد وأدعية يلتزم بها، وكنا نسمع فى السحر نشيجه ودعاءه وبكاءه.
وإذا كان التصوف ترسيخًا لمعنى التوحيد والتزكية، فقد نال والدى منه حظًا وافرًا ولله الحمد وإذا كان غير ذلك فهو لم يفهم التصوف إلا كذلك، وهذا واضح من خلال شرحه للحكم العطائية الذى يعتبر منهجًا متميزًا فى التصوف.
■ ماذا كانت طبيعة علاقته بالداعية الحبيب الجفرى والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب؟
– علاقته مع الحبيب على الجفرى والشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر علاقة أخوة فى الله، قائمة على سلامة المنهج والاستمداد من منهل واحد: كتاب الله وسنة نبيه وفهم سلفنا الصالح لنصوصهما.
■ كيف تقضى وقتك فى أجواء «كورونا»؟
– نعيش معلقين الرجاء بالله، من مرض منا استشفى بما توافر له من أسباب الشفاء متوكلًا على الله، ومن مات منا فهو شهيد إن شاء الله، والمسلم يلتزم بأسباب الحيطة والحذر وفقًا لأوامر الشرع الحنيف.
■ ماذا عن الأسباب التى جعلت الشيخ البوطى يساند الرئيس الأسد؟
– يجب أن يدرك الجميع أن موقف الوالد -رحمة الله- من الفتنة ليس موقف تأييد لشخص الرئيس ولا لأركان الدولة، كما أنه ليس موقف معارضة ومناوئة، ومن تابع كلامه طيلة فترة ولاية الرئيس بشار الأسد لن يجد أنه مدحه أو أثنى عليه بكلمة واحدة، لكنه اتخذ موقفًا مبنيًا على ما اتفق عليه العلماء من حرمة الخروج على ولى الأمر بسبب ظلم أو أخطاء ارتكبها تستوجب الخروج عليه، وقد نقل مرارًا كلام الإمام النووى حيث نقل الإجماع على ذلك.
إن الشهيد لم يكن مؤيدًا ولا معارضًا، كان ينصح بقوة وحزم، لكن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر شىء، وإثارة الفتنة وتمزيق الأمة شىء آخر.
لقد حذر من مخطط خطير يهدف إلى تمزيق سوريا إلى دويلات، واليوم نجد أن أدوات الفتنة القذرة ترحب بهذا التمزيق، كما أن ثورات الربيع العربى هذه هدفها الحقيقى تمزيق الأمة العربية والإسلامية.
سقط القذافى فهل انتهت المشكلة أم ابتدأت؟ وسقط مبارك فهل انتهت المشكلة؟ وسقط قبلهما صدام، فهل انتهت المشكلة أم ابتدأت؟ سقط على عبدالله صالح، فهل انتهت المشكلة أم ابتدأت؟ فى كل الحالات السابقة تفاقمت الفتنة وتمزقت البلاد وصارت محط الأطماع.