إعتاد المصريون ومحبو آل بيت النبى، صلى الله عليه وسلم، كل عام الاحتفال بالذكرى السنوية لوصول رأس ابن بنت رسول الله «ص» إلى القاهرة، لتستقر فى مسجد سيدنا الحسين الذى استقبل مئات الآلاف من المحبين من مصر والعالمين العربى والإسلامى.
ومع وصول الاحتفالات إلى ختامها، فى «الليلة الكبيرة»، تزايدت أعداد المحبين للنبى «ص» وآل بيته ومريدى الطرق الصوفية، الذين وفدوا إلى الساحة الحسينية، للمشاركة فى مئات الحلقات التى أقيمت فى حرم المسجد، منشغلين بالذكر والمديح وقراءة القرآن والتواشيح عن شواغل الدنيا وما فيها.
«الدستور» تجولت فى أرجاء ساحة مسجد سيدنا الحسين بالقاهرة، وحاورت عددًا من مشايخ الطرق الصوفية حول رؤيتهم للاحتفال هذا العام، وأهم ما يميزه عن الأعوام الماضية، بالإضافة إلى آخر الاستعدادات قبل ساعات قليلة من «الليلة الكبيرة»، التى ينتظرها محبو آل البيت عامًا بعد عام.
تحييها 80 طريقة ومئات الآلاف من المريدين.. وكبار العلماء يقيمون سرادقات لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب
قال علاء أبوالعزائم، شيخ الطريقة العزمية عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن جميع الطرق، التى يصل عددها إلى ٨٠ طريقة، تشارك فى الاحتفال بذكرى الإمام الحسين، موضحًا أن هذه الطرق أقامت سرادقات وساحات خاصة لاستقبال المريدين الذين أتوا للمشاركة فى هذا الموسم.
وكشف «أبوالعزائم» عن أن حضور الاحتفال لا يقتصر على المسلمين فقط، مشيرًا إلى مشاركة كثير من المسيحيين فى هذا الاحتفال، الذى يحل، عادة، قبل أيام من السنة الميلادية الجديدة، ما يجعله نوعًا من البشرى بالعام الجديد فى نظر كثير من الناس، الذين يأتون إليه لتلمس الخير والبركة.
وكشف الإعلامى حسن الشاذلى، المتحدث باسم الطريقة الصديقية الشاذلية، عن أن احتفال هذا العام سيشهد مشاركة الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية الأسبق، شيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، موضحًا أن الشيخ منح الإذن لأتباع الطريقة ومريديها بالنزول والمشاركة فى المولد. وقال إن المشاركة ستتضمن إقامة سرادق كبير باسم الطريقة الصديقية الشاذلية، على أن يستقبل السرادق عددًا من كبار علماء التصوف، من المنتمين للطريقة، وعلى رأسهم يسرى جبر الحسينى وعمرو الوردانى وأحمد وسام ومحمد عوض المنقوش، وغيرهم، بالإضافة إلى مشاركة الدكتور محمد مهنا، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بالأزهر.
وأضاف أن الطريقة الصديقية الشاذلية استغلت مولد الحسين هذا العام من أجل نشر أفكار التصوف الإسلامى الصحيح، وتعريف الناس بالتصوف العلمى، الذى تتبعه الطريقة.
وحول مشاركة عدد من كبار العلماء فى الاحتفالات هذا العام، قال القيادى الصوفى النادى عبدالرءوف إن مشاركة رواد التصوف العلمى فى مولد الحسين لأول مرة ستمنح ثقلًا كبيرًا لاحتفال هذا العام. وأضاف: «مشاركة هؤلاء الرواد تحدث لأول مرة فى مولد الحسين، وهذا سيخدم التصوف بشكل كبير، فى ظل شعبية هؤلاء العلماء بين الصوفيين وغيرهم، كما أنه منح التصوف ثقلًا كبيرًا ويجعل الجميع يدركون أن التصوف ليس دروشة، بل هو علم وفكر ومنهج إسلامى قويم».
وذكر الدكتور عبدالهادى القصبى، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، أن المشيخة العامة أعطت تعليمات للجميع بضرورة استغلال الحدث لمحاربة الفكر المتشدد والمتطرف ودعم الوطن وقيادته فى الحرب ضد الإرهاب، مشيرًا إلى أن عددًا من كبار العلماء ومشايخ الطرق سيحاضرون عن ذلك فى السرادق الكبير الذى أقامته المشيخة الصوفية بجوار مسجد سيدنا الحسين.
وقال: «السرادق الكبير للمشيخة والسرادقات الخاصة بالطرق ستهتم باستغلال الحدث لمحاربة الأفكار المتشددة، وهذا ينبع من الدور المحورى الذى يلعبه أهل التصوف فى التصدى لمثل هذه الأفكار المنحرفة، التى عانى منها المجتمع المصرى فى الفترة الماضية».
وتابع: «مولد الإمام الحسين حدث عالمى ويشارك فيه أتباع ومريدو الطرق الصوفية حبًا فى سبط رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجميع الطرق ستستغله وسيكون لها دور فاعل فى نشر الفكر الوسطى والتصدى بقوة لأصحاب الفكر المنحرف، الذين يظنون أو يعتقدون أن أهل التصوف بعيدون عن المشهد».
أما محمد أبوهاشم، شيخ الطريقة الهاشمية، فأشار إلى أن الليلة الختامية للاحتفال بمولد الحسين ستحظى، هذا العام، بمشاركة شخصيات عربية وأجنبية، دون أن تقتصر على المصريين، معتبرًا أن هذه المشاركة العالمية فى الليلة الختامية تكشف عن الدور الكبير والمؤثر الذى يلعبه التصوف فى العالم الإسلامى.
وحول أهم مظاهر الليلة الكبيرة، قال إن هذا الاحتفال يتسم عادة بطابع مختلف عن غيره من المناسبات الصوفية، فى ظل المكانة الكبيرة التى يحظى بها ابن بنت رسول الله «ص» لدى المصريين.
وأضاف: «الطرق الصوفية تستعد طيلة العام وكل عام لهذا الحدث، خاصة أن الصوفيين يربون أبناءهم على محبة رسول الله «ص» وآل بيته، لذا فإن هذه المناسبة تحمل رسالة خاصة يؤكد فيها المريد أنه يحب النبى «ص» وآل بيته، وأنه لم ولن يخالف هذه المحبة من أجل الدنيا وما فيها».
وواصل: «يشهد الاحتفال كل عام مشاركة قرابة المليون مريد وزائر، وأحيانا يزيدون على ذلك، خاصة أن الاحتفالات تبدأ قبل الليلة الكبيرة بأسبوع كامل، وجميع الساحات والسرادقات، التى يزيد عددها على الألف، تستقبل زائريها إلى أن تمتلئ عن آخرها».
وتابع: «يعلم الجميع أن هذا الاحتفال ليس مجرد تجمع للأكل والشرب، بل هو تجمع لعلماء الصوفية بالأساس يشهد سرادقات تقام خصيصًا لتعليم الناس معنى التصوف الصحيح وطبيعة الإسلام الوسطى البعيد عن العنف والتطرف».
لجان شبابية لحماية السيدات من التحرش.. والأهالى ينظمون «موائد» للمشاركين
أكد حسن عبدالعزيز، عضو الطريقة البرهامية، أن احتفالات الحسين تشهد عادة مشاركة واسعة من جانب المصريين وأتباع الطرق الصوفية، الذين يتبرعون بأموال كثيرة، من أجل الإنفاق على موائد الطعام التى تمتد على مدار أيام الاحتفال.
وأضاف: «هناك رجال أعمال من الصوفية يتبرعون كل عام بكثير من الأموال من أجل المشاركة فى استقبال الزائرين لساحة الحسين، خاصة أن الكثير منهم يعتبرون الطعام المقدم فى هذه المناسبة يحمل بركة سيدنا الحسين، مهما كان نوع هذا الطعام، ومهما كانت بساطته».
وواصل: «تختلف الطرق الصوفية فى الطعام الذى تقدمه، تبعًا لمدى غنى كل طريقة، وسواء تناول المريد أو الزائر لحمًا أو الفول النابت، فهو يرى أن الطعام مبارك، ببركة المكان والمناسبة وصاحبها». وتابع: «احتفالات هذا العام كانت أكثر غنى من ناحية الطعام المقدم، فإلى جانب وجبات الطعمية والعدس والفول النابت ومشروبات الشاى والسحلب، قدمت بعض الطرق لحومًا، ونظم أهالى منطقة الجمالية القريبة من المسجد موائد مفتوحة للطعام والمشروبات من أجل المشاركين، ما يظهر المحبة الصادقة، التى يكنها المصريون للإمام الحسين، رضوان الله عليه».
ورصدت «الدستور» حضورًا واسعًا للنساء، على مدار الأيام الماضية، مع انشغال كثيرات بإعداد الطعام والخدمات للزائرين والمتوافدين على ساحة مسجد سيدنا الحسين.
وقالت السيدة نفيسة زكريا، زوجة شيخ الطريقة الشبراوية، إن مريدات الطرق الصوفية يتواجدن هذا العام بأعداد كبيرة، ما يؤكد أن دور المرأة المتصوفة لا يقل عن دور الرجال.
وأضافت: «الجميع يحب أن يحظى بنور سبط النبى، صلى الله عليه وسلم، والمريدات ينشغلن بخدمة الحضور، حبًا فى الإمام الحسين، ورجاء أن يغفر المولى، سبحانه وتعالى، ذنوبهم».
وأشارت إلى أن «خدمة زوار ابن بنت رسول الله «ص» لا تقدر بثمن، والطعام والشراب الذى تعده المريدات يعد شيئًا بسيطًا إذا قارناه بالبركات، التى يمنحها الله سبحانه وتعالى لمحبى آل البيت».
وتابعت: «هذه المشاركة من النساء الصوفيات تكشف عن مدى التعاون بين الرجال والنساء فى الطرق الصوفية من أجل خروج هذه الاحتفال فى أكمل صورة».
أما الفنانة شادية عبدالحميد، التى شاركت فى عشرات الأعمال الفنية، فذكرت أنها تشارك بالخدمة مع المريدات فى الطريقة الرفاعية، موضحة أنها تحرص دائمًا على الحضور فى هذه المناسبة فى ظل عشقها سيدنا الحسين.
وقالت: «أحرص دائمًا على المشاركة فى جميع الاحتفالات الخاصة بسيدنا الحسين، فى ظل الروحانيات التى أشاهدها وأعايشها بنفسى فى كل هذه الاحتفالات، خاصة أننى عرفت الصوفية هنا، وأدركت أن الصوفيين يقومون فعلًا على خدمة الناس الذين يأتون للزيارة».
وأضافت: «الطيبة والمعدن الأصيل لدى الصوفيين يظهران أكثر فى المناسبات الخاصة بآل البيت، ومن بينها احتفالات الإمام الحسين ومولد السيدة نفيسة والسيدة زينب، لذا أحرص دائمًا على المشاركة فيها، لأنى من محبى آل بيت النبى، «ص».
وتابعت: «أعتقد أن هذه المناسبات الخاصة بالصوفية تعد مصحات روحانية تعالج الناس من الأفكار الخاطئة والمتشددة والجماعات التى ليست لها أى مهمة سوى التحريم والتكفير، وعن طريق هؤلاء الصوفيين أشعر بأنى أصبحت أقرب إلى الله، الذى عرفته من خلالهم».
وحول المشاركة اللافتة للسيدات هذا العام، قال أحمد الولى، أحد شباب الطرق الصوفية، إن الشباب دشنوا، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، عددًا من اللجان الشبابية التى تتولى حماية المريدات والمشاركات فى احتفالات الحسين، فى ظل استغلال البعض هذا التجمع الكبير لمضايقة السيدات، فى ظل حضورهن، الذى يتخطى ٥٠ ألف مريدة. وأضاف: «يحاول شباب الصوفية حماية السيدات من الشباب غير الأسوياء، الذين يحضرون هذا المناسبة لأسباب أخرى، وجميعهم يعتقدون أنهم يقدمون خدمة جليلة فى هذه المناسبة، دون أن ينتظر أى منهم مقابلًا من أحد».
وتابع: «شباب الصوفية ينظرون إلى السيدات المشاركات باعتبارهن أمهات وأخوات، تجب حمايتهن، ولأننا مصريون قبل أن نكون متصوفين، فنحن نعلم جيدًا مقام المرأة، وندرك أنها أم وأخت قبل كل شىء، لذا يتوجب علينا أن نحميها بأرواحنا إذا لزم الأمر».
نقلاً عن صحيفة الدستور المصرية