2. تفسير العلاقة بين “الوجهة” و “القبلة” و “المرشد”
ما هي وجهة القلب، خاصة بالنسبة للمريد؟ إنه يحترم علماء الحقيقة وشيخ الطريقة كوسطاء له. كما جاء في القرآن: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” {59، النساء}. قلبه متوجه دوما نحو الله، نحو نبيه ﷺ، ونحو الهادي الذي يأمره ويأذَن له. يستحيل خلط ذات الله سبحانه وتعالى بأي شيء كيفما كان، دنيويا أو أخرويا. فلزم أن يكون الكل لله والكل هو الله. بالنسبة للمريد، فجميع اهتماماته ومحاولاته، بما في ذلك رغبته في أن يصبح وليّا، ورغبته في تحسين منزلته والفوز بمزيد من الثواب وما إلى ذلك، كل هذا لا يتوافق مع مقاصد أو دوافع التقرب من الله، ولا يتوافق مع اعتقاد ”
الكل بالله تعالي والكل لله تعالى”، بل بذلك يغدو الأمر مختلطا عليه بين مقاصد الدنيا ومقاصد الآخرة. لذلك فإن صفاء إيمانه مكفولة. الدوافع وراء ابتغاء مشاهدة خوارق العادات، المعجزات، الآثار وبعض الأدلة الواضحة تعتبر أيضًا محاولات لطلب شيء آخر دون الله. والإنسان الذي يطمح أن يرتقي في الدين وأن يصبح قائداً حتى يعرفه الجميع، يُعَدّ سعيه غير صحيح كذلك.
بعد إزالة كل ما دون الله من أشياء، سيبلغ حينها حالة الزهد. سيتم بلوغ حالة الزهد فقط إن تحقق الشرط الأساسي المتمثل في اعتبار الشخص نفسه عبدا لله حقا. لماذا نعبد الله؟ لأنه الله العظيم، هو الذي خلقنا، هو الذي منّ علينا بأن وُلدنا وبأن سنموت، هو الذي يرزقنا ومن عنده سبحانه السراء والضراء. بفهم هذا الشرط الأساسي بهذه الطريقة، سيتمكن للمرء أن يبلغ حالة الزهد.
عبادة الله هي ما يجب علينا القيام به، وليس لأجل أجر نبتغيه من الله. وفي هذا الصدد يوجد قول مأثور سبق ذكره من قبل:
“ربي! لك أنا طائعُ..وكما ينبغي لعبد مثلي، حقا لك خاضعُ
سأحمدك إن أدخلتني جنتكَ
وإن رميت بي في النار.. سأظل على حمدكَ
سأخنع لك بدون شرط.. لأنني عبدكَ..
ولأن المشيئة مشيئتكَ.”
بمجرد أن يتحقق الشرط الجوهري “كن عبدًا لله”، سيصل المرء حينها لمقام الزهد.
كعبد لله، صوّب قِبلتك نحو ذات الله لا نحو صفاته تعالى. تشير القبلة إلى أن العبد يتجه إلى الله. يتجه المريدون إلى ذات الله، فيصير كل ما عداه جل جلاله مُزالا من قلوبهم، فيؤمنون بالله كما ينبغي، ويسلّمون أنفسهم تمامًا له، ويثقون كليا به سبحانه. الله لا يخضع لقانون المادة، ويستحيل على البشر أن يدركوا ويصفوا الحالة الكائن عليها وجوده جل في علاه. في حق الله، لا يسعنا إلا الحب، حب غير مقيّد بغرض ما نبتغيه، أو بحل مشكلة نصبو إليه. حب لا يتحتم فيه أن نعرف جوهر الله حتى ننهمك في عبادته. على هذا الصعيد، يضمن النهج المبتدئ من حال الامتثال إلى حال الطاعة اكتمالَه. في بادئ الأمر، يحدث الامتثال لله، بعدها طاعته، وأخيرا التسليم الكامل له سبحانه.
“ربي! لك أنا طائعُ..وكما ينبغي لعبد مثلي، حقا لك خاضعُ
سأحمدك إن أدخلتني جنتكَ..
وإن رميت بي في النار.. سأظل على حمدكَ
سأخنع لك بدون شرط.. لأنني عبدكَ..
ولأن المشيئة مشيئتكَ.”
هذه النوعية من الناس هم الظافرون حقا بالقرب من الله، فقط بسبب نمط التفكير، لا يُصنّف النوع الآخر من الناس كمريدين. على الرغم من أنهم يسعون أيضًا إلى نيل مرضاة الله، إلا أنهم يبتغون كذلك القدرة على فهم بعض الأمور وتقبل بعض الاختبارات الإلاهية. نمط تفكيرهم مبني على مبدأ التحقق، بقول آخر، تفكير يحثهم على اختبار مرشدهم. ويُعتقد أن هؤلاء الناس هم مطرودون من الإسلام ومهجورون من الله. عيبهم أنهم يطلبون “المعجزات” بدلاً من طلب محبةٍ أقوى تجاه الله وقربٍ أكبر منه جل جلاله.
إذا أردت حيازة مقام محمود ودرجة رفيعة في الآخرة، لا تبتغ شيئا سوى الله، إ حمده تعالى على كل ما أنعم به عليك، سواء أ كان محنة أو منحة، سواء أ رزقك الصحة أو ابتلاك بالمرض. إنه لمن الضروري أن نظل على حمد الله ما حيينا، لا نبتغ بذلك شيئاً منه، إنما نستسلم له، ونذلّ بين يديه سبحانه.
وفقط في مثل هذه الحالة، يتحقق للمرء أن يكون مريدا بالفعل. أما إن كان فقط ينشُد مقصدا ما، فيعتبر بذلك مرتكبا لفعل شنيع ومهدَّدا بشكل ما بخسرانه جنة القرب من الله، ويخرج بذلك من دائرة المريدين الحقيقيين. في هذا الميراث، يتمثل شرط المقام المحمود والدرجة الرفيعة في الإذعان التام لله، الخضوع الكامل له، وعدم الرمي إلى أي نفع خاص منه سبحانه.