“موروث الجهرية من وجهة نظر النقشبندية “…بقلم الشيخ عبدالرؤوف اليمانى الحسني شيخ صوفية الصين (1)

عبدالرؤوف اليمانى... شيخ الصوفية الصين وحوله مريدوه

 

يتناول  فضيلة الشيخ محمد حبيب العليم عبد الرؤوف اليماني الحسني الحسيني مرشد صوفية الصين كتابة سلسلة مقالات بعنوان.. ” موروث الجهرية النقشبندية “، حيث سيتم نشرها تباعا.

 

1. تفسير “منبع النعم”، “باب النعم” و “من لديه القدرة على التحمل” تحت ظل هذا الميراث.

يتميز هذا الميراث بتركيزه على الآداب الإسلامية، كبيرها وصغيرها، التي تُعد في حد ذاتها عوامل “تقرُّبٍ من الله” و “طلبٍ لرضوانه” و “الحصول على فضله سبحانه”. في حين أن من فقد هذه الآداب فقدْ فقدَ الطريق إلى الله. ونذكر هنا أن جميع الآداب الإسلامية، ما عظُم منها وما قلّ، تم توارثها عن نبينا الحبيب ﷺ، فقامت الجهرية بحفظها على أحسن وجه ودمجها في تقاليدها.

ربّنا الرحمن هو واهب السلام والأمان. ورسولنا الكريم ﷺ هو السر في تفضله سبحانه علينا بالرحمة والأمان لأنه ﷺ هو نبع التبصّر والمعرفة الحقّة. ونحن على يقين من نيل القرب من الله ورسوله الحبيب ما دمنا نسير على النهج الموروث عنه ﷺ. يتّبع أهل السنة والجماعة سنة النبي ﷺ وينشرون الإسلام بنشاط كبير، ويقلّدون خلفاء نبينا ﷺ تقليدا تاما فيما يتعلق بالسنة وآدابها. وبذلك تم تكوين تقليد خاص أثناء نقل هذا التوارث.

روح التقوى، الإجلال، الصدق، الإخلاص ومراعاة واتباع الآداب، هي خصال امتاز بها جميع الحكماء واختبروها بموجب ما تنطوي عليه قلوب مرشديهم -الهداة- فحُرّكت خواطرهم وأقوالهم وأفعالهم بدافع الولاء والتقوى بعد اتباعهم لتلك الآداب. ومكّنت هذه الخصال العقلَ من التمسّك بالولاء في كل شيء، كبيره وصغيره، منذ الولادة إلى الموت، وتشبّته بآداب النهج الموروث عن النبي ﷺ. لأنه لولا هذا العادة، لما ورث الناس الميراث وخصائصه عن نبيّهم ﷺ. الالتزام بهذه الآداب يضاهي نيل نِعم لا نظير لها. فأولئك الذين بلغوا هذا الهدف، من يفرحون ويغضبون لوجه الله سبحانه، سوف يكافَؤون بفضل عظيم. سيمنحهم الله نِعما غير متوقعة، ستظهر في محبتهم للنبي ﷺ، وللهادي (المرشد)، وللعلماء (علماء الحقيقة)، ولشيخ الطريقة. ويكونون قد مُنحوا بالفعل بعض مظاهر تفرّد النعمة صادرة عن “نور الهدى والإرشاد”.

في الإسلام، وفي التصوف خاصة، من الضروري الحصول على نور الهدى. إذا أراد المرء حيازة المنحة الفريدة، فلا يجوز لسروره وغضبه إلا أن يكونا لوجه الله، وعليه أن يحبّ الرسول ﷺ ويحبّ هاديه ومرشده وعلماء الحقيقة وشيخ الطريقة حتى يحوز قلبا صادقا، الذي به سينال نور الهدى ويحظى بتلك المنحة الفريدة.

ويأتي الحديث الشريف بما مفاده: “من أحبَّ العلماء والعارفين كان معي في جنة الفردوس”. فتم بناءا على هذا الحديث، توريث محبة
علماء الحقيقة وشيوخ الطريقة. كل الصادقين الذين لا يتظاهرون أو ينافقون، ويملكون قلوبا تنبض حبا حقيقيا، قد ورثوا بالفعل “النهر غير الملموس” (نهر نور الهدى ليس له شكل). تتدفق بركات هذا النهر باستمرار عطاءً من الله عبر نبيه ﷺ ومنه عبر الهادي لتستقر في قلوب التابعين. فتتصل هذه الأخيرة بقلب الهادي وتنساق له.

ومن ثَمَّ، كانوا قادرين بفضل نور الهدى على اتباع القواعد ما صغُر منها وما كبُر واتباع الآداب على مر السنين، واستمداد مختلف النِّعم منه. كلما قوِيَ الحب، كلما اشتد تأجج النار، وكلما اتسع امتداد النهر أيضا. حينما يتجاوز القلب المنقاد والمحِبّ لله كل مظاهر الدنيا، سيصير نهر حبه بحرا. سيصير هذا الحب موجا في أعماق البحر، وسيتدفق هذا الموج ليصل إلى قلب الهادي، وإلى الرسول ﷺ فلا يتحول بذلك عن سنته. يصهر المريد كل ما له علاقة بالحياة الدنيا في قالب يحكمه حب الرسول ﷺ ومحبة هاديه. حينها ستغدو مختلف آداب “نور الهدى” مجرد أمور اعتيادية وتقليدية لدى الهادي، ستظل دوما مقبولة، متوارثة، منعكسة بشكل مباشر على قلوب تابعيه ومحقونة في دمائهم كمعايير أساسية لاتّباع أقواله وأفعاله.

تفضّل الله سبحانه وتعالى على المريدين بدرجات فيما يخص جميع آداب “الحب” و “الولاء”، والتي أصبحت تشكّل كبرى تطلعاتهم. مختلف الآداب المتنوعة الموروثة، أي جميع الآداب التي أظهرها المريدون، نشأت وظهرت بشكل طبيعي بإلهام من الله، ودخلت حيز التقليد بخاصية محافظة متفرّدة. وكذا حتى أدق الآداب لم تكن من صنع الإنسان، بل نشأت أثناء الميراث.

فالمريد، بادئ ذي بدء، قد تكيف بشكل طبيعي مع صالح الأعمال المُرضية لله، وبقيامه بها يشعر بحلاوةٍ وراحة لا بعبء ومشقة.
لهذا السبب، فهو بطبيعته ينبذ كل أنواع الشر والقبح التي تحط من قدر الناس وقيمتهم. في حياته، الأمر الأكثر أهمية كان دائما ذلك الدافع أو النية التي أوصلته إلى المقام الآتي: “الكل لله” و “الكل هو الله”.

بدافع قويم ومستقيم كهذا، كان الدافع الأساسي وراء العبادات وكل الأمور الأخرى بعد فترة من الزمن هو السعي لالتماس رضوان الله لا غير، حيث أضحى لكل شيء وجهة واحدة فقط، ابتغاء وجه الله. كل النوايا المنطوية في ثنايا الأفكار والكلمات والأعمال ابتعدت كل البعد عن “لا إله”، وعن “الأنانية” و “الشهوة” و “الماديات”، ونزحت إلى الثبوت على معتقد “إلا الله” وعلى محبة الرسول ﷺ.

بنطقه لِـ “لا إله” يخلّص نيّته مما يشوبها، إن كان الأمر يتعلق بالحياة الدنيا، الأبناء، الثروة وما إلى ذلك. ويعيد توجيه نيّته وأفكاره وكلامه التوجيه الصحيح بقوله “إلا الله”. التزاما بهذا الغرض والمسعى، لن يَحدث لشيء أن يخلو مقصده من ابتغاء وجه الله.

إذا بهذه الطريقة، لعب هذا المعتقد دورًا فعالا في تقوية الدوافع والنوايا وراء كل الأفعال الممارَسة في هذا الميراث وتصويبها نحو الغاية الأسمى، التقرب من الله والطمع في رضوانه عز وجل.

تخلّص بالخصوص من أي شيء ليس له صلة بالله، استبعد أي سعي من أجل السمعة والشهرة، وألغ أي قصد آخر ما عدا وجه الله عند تأدية العبادات وصالح الأعمال. معتقدا بأن أي ذنب أو خطيئة أو تقصير من الممكن أن يكون مدعاة لغضب الله تعالى، تعوّد على البقاء دوما متيقظا، حذرا بشدة لكى لا تنحرف عن الصراط المستقيم بسبب دوافع من قبيل السعي المشوب غير الخالص لوجه الله، أو غرض آخر ما أو نية مختلطة بقصد غير رباني. عندئذٍ، ستنال الفضل العظيم لِـ “القرب من الله”.

يُعدّ هذا النوع من الإيديولوجية التقليدية والتفكير المتمسك بالعُرف سببا في تميز مريدي الجهرية بشدة تقواهم، جديتهم الكبيرة وحذرهم على مستوى كل الطاعات والأعمال الصالحة. بالنسبة للقول كما السلوك، يعتقد الجهريون أنه من الضروري جدا التمسك فيهما بِـ “التقوى والخشوع”، الذي هو شرط القرب من الله. ولكي تحظى بنقاوة القلب، ركّز جنتك دائما على التأمل في “لا إله إلا الله”.

العبادة القلبية هي تلك الخطوة الأولى. لذلك، فكل هذا يتوقف على نقاء الدافع والنية في ذكر الله وفي تذكره وفي ابتغاء سبيله عند القيام بأي شيء كان. في هذا الميراث، برزت سلوكيات التقوى والخشوع بشكل طبيعي نتيجة إتباع الدين الموروث عن رسولنا الكريم ﷺ كما كان بالضبط في الأصل، دون زيادة أو نقصان أو تغيير في قواعده وآدابه.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *