رأى أحمد جلمام، المنشد التونسى الشهير، أن فن الإنشاد الدينى قادر على محاربة الإرهاب والفكر المتطرف، مشيرًا إلى أن المنشد المعاصر أصبح يحمل على عاتقه مسئولية نشر الإسلام الوسطى.
■ بداية.. ما الذى يستهدفه الإنشاد الدينى فى نفوس جمهوره؟
– الإنشاد الدينى يستهدف تقديم رسالة حب وسلام لجميع الناس، ويمنحهم الراحة والطمأنينة، لأنه يلعب على وتر الروح، ويعوض الإنسان عن «الحرمان الروحانى» الذى يعيشه، لذا على المنشد منح «النشوة» للجمهور، ليستطيعوا من خلالها الموازنة بين المادة والروحانيات فى حياتهم.
ويمكن للمنشد أن يقدم رسائل أخرى، إذ أصبح الإنشاد الحديث يهتم بأمور أخرى خارج الابتهالات عن الله والنبى، صلى الله عليه وسلم، فمن الممكن أن يُنشد الفنان عن الوطن أو الأب والأم أو التعاطف والسلام، وهذا تطور مطلوب. وأتفق مع ذلك جدًا، فالمنشد المعاصر يجب أن يناقش أمورًا متنوعة، وأرى أن التقيد بنوع معين من الإنشاد لا يصب فى صالح هذا الفن.
– العلاقة بين الإنشاد والتصوف علاقة تكامل، فالمنشد يرى التصوف نقطة انطلاق لفهم العالم، وبالنسبة لى، فأنا أحب الصوفية جدًا لأنها علمتنى كيف أتعامل مع الناس وأدّبتنى، كما ساعدتنى على فهم التخلى والتجلى والنشوة. وبالنسبة للمتصوفين، فإنهم يرون الإنشاد طريقة للدخول للحالة الروحانية التى يفتقدها البشر بصورة كبيرة، كما قلت سابقًا.
– أصبح المنشد صاحب دور توعوى وإصلاحى مثل الداعية الدينى، وذلك لأننا غير منفصلين عن واقعنا، لذا نراعى فى النصوص التى ننشدها توضيح حقيقة الدين الإسلامى الوسطى، ومحاربة الإرهاب والعنف والتطرف.
– قدمت حفلات كثيرة فى أوروبا، خاصة فى فرنسا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا، ومؤخرًا كنت فى جنيف، وعلى الرغم من أن معظمهم لا يفهم العربية فإنهم يتسابقون لحضور أى حفل إنشاد، ويكون الإقبال كبيرًا، وتعداد الأجانب أكبر من العرب، وعادة ما يحجزون الصفوف الأولى.
والسر فى ذلك أن الأوروبيين يرون الإنشاد موسيقى روحانية تساعدهم على الهدوء واستشعار السلام، وأرى أن العالم كله يحتاج للموسيقى الروحانية التى تساعد على تجاوز ضغوط الحياة اليومية، وتجعلنا نتفكر فى ملكوت الله.
– أرى أن الإنشاد يختلف من بلد لآخر من حيث المضمون فقط، لكن الهدف واحد، لأن أولياء الله مروا على تونس وغيرها من البلاد العربية، لذا يكون الاختلاف فى النص فقط، لكن روح الموسيقى واحدة، فعندما أغنى أنا أو يغنى شقيق مصرى أو سورى أو مغربى أو ليبى، قد نلاحظ اختلاف الكلمات، لكن الروح واحدة، لأن الإنشاد رسالة عالمية.
– فن الإنشاد فى تونس سيستمر، وسيكون موجودًا دائمًا ولا يمكن أن يندثر، والدليل على ذلك الأعمال الفنية الضخمة التى تُقدم حاليًا، مثل مشروعى «الحضرة» و«النوبة»، اللذين ساعدا على منح هذا الفن دفعة كبيرة للانتشار والاستمرار، وأنا على المستوى الشخصى أعمل على دعم فن الإنشاد، وسافرت لكل دول العالم لتوصيل رسالة السلام.
– هذا فضل من الله، فهو من منحنى الموهبة، لكن الموهبة وحدها لا تكفى لصناعة مشروع، فيجب أن يصقلها المنشد بالدراسة والاجتهاد. النبى محمد اختار الصحابى بلال بن رباح ليرفع الأذان، لأن صوته جميل، هذه منحة من الله، لكن حين ينوى الفنان تقديم نفسه للجمهور عبر مشروع له رسالة روحانية، يجب عليه أن يجتهد.
– أنا على علاقة طيبة بالطريقة القادرية البودشيشية، التى دعتنى للمشاركة فى الفعاليات هذا العام، وقدمت عدة فقرات أمام علماء وشيوخ العالم المشاركين بالملتقى.
قابلت الإخوة من أهل الطريقة البودشيشية لأول مرة فى حفل بباريس، وكانت المجموعة الوطنية للسماع التابعة للطريقة تشارك فى إحياء عدة حفلات هناك، وأنشدنا معًا. وفى ٢٠١٥، شاركت فى الزاوية البودشيشية فى الملتقى العالمى أيضًا، أى أن هذه ليست أول مشاركة لى، وهم يدعوننى دائمًا لأنهم وجدوا تناسقًا بين أدائى والمجموعة السماعية البودشيشية، وحتى التليفزيون المغربى ينقل دائمًا القصيدة التى نقولها خلال فعاليات الملتقى.