قال الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، لقد خرج سيدنا موسى عليه السلام بقومه من بني إسـرائيل من مصر بعد أن أظهره الله على فرعون وملئه فأغرقهم في البحر، وجاز بهم صحراء سيناء نحو الأرض المقدسة وقال لهم: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) [المائدة:21]; إلا أنهم رفضوا جبنا وخوفا فقضى الله عز وجل أن يتيهوا في الصحراء أربعين عاما، قال تعالى: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ) [المائدة:26] وخلال هذه الأعوام الأربعين ظلوا تائهين في الصحراء حتى أخرجهم الله منها.
وتابع “جمعة”عبرصفحته الرسمية، :وجاء سيدنا داود عليه السلام ملكاً على القدس بعد أن استتب الحكم لبني إسـرائيل في المدينة، وبعد سيدنا داود تولى سيدنا سليمان مقاليد الحكم، وقام ببناء المسجد الأقصى عام 950 قبل الميلاد كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو يرفعه: أن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل الله ثلاثا: سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد الأقصى ألا يأتيه أحد لا يحركه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه (سنن النسائي)، ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز فيدخل فيصلي فيه ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء; مبالغة منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها؛ لتصيبه دعوة سليمان عليه السلام (مجموع الفتاوى).
وأوضح “جمعة” أنه بعد وفاة سيدنا سليمان عليه السلام انقسمت مملكة بني إسـرائيل إلى مملكتين ودارت بينهما الحروب الكثيرة وفي عام 599 ق.م غزا البابليون القدس ودخلها نبوخذ نصر وسبى جميع من فيها وأرسلهم إلى بابل فيما يسمي تاريخيا بـ السبي البابلي، وعندما تولى قورش عرش فارس تزوج من يهودية فتنفس اليهود الصعداء، وبطلب من زوجته أذن لمن شاء منهم بالعودة إلى القدس، وسمح لهم بتجديد الهيكل وبناء المدينة; إلا أنه لم يمكنهم من بناء سور لها، ولم يتمكنوا من بناء سور لها إلا في عهد دارا عام 445 ق. م، وفي عام 332 ق. م احتل الفاتح المقدوني الإسكندر الأكبر القدس فدخلها ناويا تدميرها وقتل من فيها; إلا أن اليهود هرعوا لاستقباله خارج المدينة يتقدمهم الشيوخ والكهنة طالبين العفو; فسكت عنهم وأقرهم على عاداتهم و أعفاهم من الجزية.
وبعد وفاته عانى سكان المدينة الشدائد على يد قواده الذين اقتسموا مملكته بينهم، ففي عهد بطليموس دك حصون المدينة وبطش بسكانها وأرسل منهم مائة ألف أسرى إلى مصر عام 320 ق.م، وفي العهد البيزنطي تنفس النصارى الصعداء; لأن قسطنطين تولى عرش الأباطرة، ولم يسمح لهم ببناء الكنائس فقط والانتشار في مملكته، بل تنصر هو نفسه، ولم يمض وقت طويل حتى زارت أمه هيلانة القدس وقامت ببناء كنيسة القيامة (335 م) وخربت البناء الذي كان على الصخرة، وجعلتها مطرحا لقمامات البلد عنادا لليهود، وفرض قسطنطين على اليهود أن يتنصروا، فتنصر فريق منهم ومن لم يتنصر قتل أو غادر البلاد. (صبح الأعشى).
وتابع :لما اعتلى جوليان الجاحد عرش بيزنطة (360م) ألغى اضطهاد اليـهود، وأمر بإعادة بناء الهيكل، إلا أن الأمر لم يتم، وبعد وفاته عام 451م انقسمت الكنيسة إلى شرقية وغربية وكانت كنيسة القدس تتبع الكنيسة الغربية، وعندما تولى جوستانيان الحكم بنى كنيسة العذراء في موضع المسجد الأقصى الحالي (تاريخ القدس)، وفي عهد هرقل (610 – 614م) دب الضعف في الدولة البيزنطية فلم يستطع الوقوف في وجه كسرى الذي أرسل جيوشه فاحتل القدس (614م) وذبح من سكانها تسعين ألفا، وساعدهم اليـ هود في محاربة النصارى وتخريب كنائسهم، وأقبلوا نحو الفرس من طبرية وجبل الجليل وقرية الناصرة ومدينة صور وبلاد القدس; فنالوا من النصارى كل منال، وأعظموا النكاية فيهم، وخربوا لهم كنيستين بالقدس، وحرقوا أماكنهم، وأخذوا قطعة من عود الصليب، وأسروا بطريرك القدس وكثيرا من أصحابه، إلا أن هرقل جمع شتات جيشه في عام 627 م، فغلب الفرس بحيلة دبرها على كسرى حتى رحل عنهم، ثم سار من قسطنطينية ليمهد ممالك الشام ومصر ويجدد ما خربه الفرس منها، ودخل هرقل القدس عام 629 م حاملا على كتفه خشبة الصليب التي استردها من الفرس وانتقم من اليـهود على فعلتهم، فراح يقتل منهم المئات (المواعظ والاعتبار)، هذه الوقائع بين الروم والفرس، لخصها القرآن الكريم على وجه الإجمال، فقال تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [الروم:1-3].