أهل البيت هم المجد الشامخ،والعنوان المضئ، والاسم المحبب لكل نفس مؤمنة أحبت الرسول الكريم وسارت على دربه وهداه.
ولقد ارتفع حب هؤلاء القوم متربعًا على عرش القلوب المؤمنة ـ بعد أن أضحت مناقبهم الحسنة وخصالهم الطيبة حديث العام والخاص في حياتهم وبعد انتقالهم إلى الرفيق الأعلى.
فأصبحوا قبلة كل باحث عن الحقيقة،وغاية كل طالب علم وأخلاق،ووجهة كل سائر نحو الحق والفضيلة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ولدت السيدة زينب -رضي الله عنها_في اليوم الخامس من جمادي الأولى من السنة السادسة للهجرة النبوية_على أرجح الروايات_ وقد سماها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الاسم حبًا في ابنته السيدة زينب ـ وإحياءً لذكراهاـ بعد أن ماتت ضحية لهجرتها في سبيل الله ـ
وقد سعدت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بهذه التسمية ـ كما سعد البيت النبوي الشريف بتلكم المولودة الجميلة التي كانت بوجهها تشبه خالتها،وتتلألأ منها أنوار النبوة، وتشع من وجناتها وقسماتها ملامح فاطمة وعليّ رضى الله عنهما.
حَمَلت سيّدةُ نساء العالمين فاطمة الزهراء_ رضي الله عنها_ وليدتها إلى باب مدينة العلم أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب_ رضي الله عنه – تسأله أن يختار للنسمة الطاهرة المباركة اسمًا، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله صلّى الله عليه وآله ـ وكان غائبًا يومذاك ـ في تسميتها،
ثمّ عاد النبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فحملت الزهراء _رضي الله عنها_ وليدتها إلى أشرف الكائنات وخاتم الرسل صلّى الله عليه وآله وسلم فقال:ما كنت لأسبق ربّي تعالى فهبط جبرائيل عليه السلام يقرأ السلام من الله الجليل وقال له : سمّ هذه المولودة : زينب ، فقد اختار الله لها هذا الاسم.
هناك قولان في معنى كلمة –زينب_ الأول أن “زينب” كلمة مركبة من زين وأب. أما الثاني فهو أن “زينب” كلمة بسيطة وليست مركبة، وهي اسم لشجرة أو وردة. وهذا ما صرح به مجد الدين الفيروزآبادي في القاموس المحيط، بقوله: ”الزَّيْنَبُ: نبات عشبيٌّ معمّر من فصيلة النرجسيات، أزهاره جميلة بيضاء اللون فوّاحة العرف، وبه سُمِّيت المرأة.“
نشأت السيدة زينب_ رضي الله عنها_ نشأة ربانية،شعارها العزة والكرامة،والجلال والإكبار،فعاشت بين يدي جدها رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم ما يقرب من خمس سنوات،وإن كانت هذه الفترة الوجيزة من السنين،تُعد في نظر البعض قليلة،إلا أنها كثيرة المقدار في حياة سيدتنا السيدة زينب رضي الله عنها
ولنا أن نقول:إن كل يوم من هذه السنوات الخمس يعدل سنة كاملة من سِني الدهر،حيث أنها أيام قضتها السيدة زينب رضي الله عنها بين يدي جدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أحضانه،فكان لهذه السنوات،أعظم الأثر في تكوينها وهي في مقتبل عمرها،ومستهل حياتها،مما انعكس بدوره على حياتها بكل جوانبها خير انعكاسٍ من الإيمان والعزة والصلابة والكرامة والثبات على المبدأ.
تزوجت العقيلة من ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب الشهير بقطب الجود والسخاء.
تقول بنت الشاطئ:(ولم يفرق الزواج بين زينب وأبيها وإخوتها ، فقد بلغ من تعلق الإمام علي بابنته وابن أخيه أن أبقاها معه ، حتى إذا ولي أمر المسلمين وانتقل إلى الكوفة ، انتقلا معه ، فعاشا في مقر الخلافة ، موضع رعاية أمير المؤمنين وإعزازه ، ووقف عبد الله بجانب عمه في نضاله الحربي ، فكان أميرًا بين أمراء جيشه في صفين
وعرف الناس مكانة عبد الله من بيت النبوة ، فكانوا يلتمسون لديه الوسيلة إلى أمير المؤمنين ، والى ولديه الحسن والحسين ، فلا يردّ له طلب ولا يخيب رجاء)
أشبَهَت عقيلةُ بني هاشم رضي الله عنها أمَّها سيّدةَ نساء العالمين فاطمةَ الزهراء_رضي الله عنها_في عبادتها، فكانت تقضي ليلها بالصلاة والتهجّد، ولم تترك نوافلها حتّى في أحلَك الظروف وأصعبها، فقد روي عن الإمام زين العابدين_رضي الله عنه_أنّه قال: إنّ عمّته زينب ما تَرَكت نوافلها الليليّة مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقهم إلى الشام ،كما يضيف الإمام علي زين العابدين رضي الله عنه قائلًا:
(إنّ عمّتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من قيام ـ الفرائض والنوافل ـ عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس، فسألتها عن سبب ذلك، فقالت: أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال؛ لأنّها كانت تُقسّم ما يُصيبها من الطعام على الأطفال، لأنّ القوم كانوا يدفعون لكلّ واحد منّا رغيفًا واحدًا من الخبز في اليوم والليلة.
من ألقابها:(المشيرة والرئيسة والعقيلة وأم المساكين والصابرة والمحتسبة والسيدة وأم اليتامى وقاضية الحاجات والطاهرة والكريمة وصاحبة الشورى ورئيسة الدواوين والفاضلة والمعلمة والعابدة والزاهدة والمغيثة والتقية ……..).
شهدت السيدة زينب _رضي الله عنها_موقعة كربلاء واستشهاد أخوها الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين .
ففجعت في هذا اليوم شر فجيعة،ولكنها تعزّت بعزاء الله ،وصبرت واحتسبت،وبشجاعتها ورباطة جأشها واجهت الطغاة،فكانت صرخة قصمت عرش الظالمين،وقوّدت ملكهم إلى الأبد .
وفي قصر يزيد بن معاوية كانت رسالتها وكلماتها الباقية أبد الدهر:
(فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين).
وعلى أعتاب المسجد النبوي الشريف،تمسك العقيلة بعضدي المسجد منادية جدها رسول الله:يا جداه إني ناعية إليك ولدك الحسين!!
وبعد رحلة طويلة اختارت السيدة زينب _رضي الله عنها_مصر محطًا لرحالها و لمكثها الأبدي..فشرفت بها مصر كما شرفت ببقية أهل البيت والصالحين فحلّت بمصرأهل البيت والصالحين البركات،وتنزلت عليها الرحمات.
وعلى أبواب مصر تدعوا السيدة زينب_رضي الله عنها_لأهل مصر قائلة:”آويتمونا يا أهل مصر أواكم الله،ونصرتمونا نصركم الله،جعل الله لكم من هم فرجًا،ومن كل ضيق مخرجا”.
ومن كرامات السيدة زينب _رضي الله عنها_ أنها سُئلت عن سبب اختيارها مصر؟فأجابت كي أكون وأنا في برزخي في شرف استقبال رأس أخي الحسين حين تجيئ إلى مصر… وقد كان !