الأزهر الشريف وقبول الآخر…بقلم خالد الشناوى_مصر

د. خالد الشناوى

الصوفية اليوم

من يعتقدون إمكانية إلغاء الخطاب الدينى وكأنه سبب الأزمة الفكرية الراهنة ومن يتشبثون به على حاله كلاهما يهددون سماحة الدين ويستهدفون الأزهر الشريف ويريدون وضع اليد عليه، شريعة الإسلام تأسست على التعددية واحترام حرية الرأى وحق الاختلاف وبوحى من هذا المنهج التعددي تتسع أروقة الأزهر لدراسة كافة المذاهب الفقهية السنية وغير السنية دراسة علمية لا انتقاص فيها من مذهب.

ولا ريب أن الأزهر تبنى منذ القدم المذهب الأشعرى وروج له لكونه وجد فيه العلاج الناجع لأمراض أصابت الفكر الدينى بسبب فرض المذهب الواحد والرأى الواحد، فماكينة التكفير والإقصاء والجدل الكريه لم تترك لمفكرى العرب ومثقفيهم وعلمائهم فرصة هادئة تمكنهم الانكباب على ترسيخ ثقافة تدفع بأوطانهم إلى مكانة لائقة !

ومن يحاولون الوقيعة اليوم بين مؤسسات الدولة المصرية واهمون لأبعد مدى، لأن مصر كبيرة للغاية القصوى وهي أكبر من هؤلاء الشراذم ممن يتربصون بها الدوائر، وطن كبير يسع الجميع بأريحية ليس لها مثيل وبلحمة وطنية شهدت لها الدنيا بأسرها قاصيها ودانيها .

فشتان بين تجديد وتطوير الخطاب الديني بلكنة عصرية مواكبة للأحداث والقضايا المعاصرة وبين محاولة الانقضاض على الثوابت وتزييفها!

إن الوسطية التي انتهجها الإمام أبو حنيفة في فقهه وفكره، وكذلك بقية الفقهاء(أساس الأزهر) هي وسطية تميزت بها الأمة الإسلامية، تعني العدل والخير والتعاون، وتهدف إلى عدم الغلو والابتعاد عن التطرّف في الفكر والاعتقاد، والبعد عن التكفير الذى ينتج التفجير وسفك الدماء وتكدير السلم المجتمعي بكافة أشكاله وصوره .

ولعلني أستدعي هنا من مضبطة التاريخ يوم 16 أبريل سنة 1919 حين ذهبت اليهودية الوطنية المصرية نظلة ليفى إلى الجامع الأزهر بالقاهرة لتخطب فى الناس كانت ترتدى زيًا محتشمًا يليق بمقام الأزهر الشريف وبمكانة أكبر ثورة مصرية ضد المستعمر الإنجليزى، وهى ثورة 1919.

سارت فى طرقات المسجد العريق العتيق الذى يحمل عبق التاريخ، والذى يريد البعض هدمه اليوم، أو يريد البعض لى عنق كل شىء لينسبه إلى التطرّف أو الإرهاب أو ينسب الأخير إليه!

كان الشيخ أحمد الحملاوى من أئمة وعلماء الأزهر الكبار يسير إلى جوارها ويصاحبهما أحد القساوسة الكبار من الكنيسة الأرثوذكسية.. وقف الثلاثة أمام آلاف الحاضرين.. وكان أغلبهم من المسلمين.

لم يعترض أحد على وجود السيدة نظلة ليفى أو على أنها ستتحدث إلى الناس فى الأزهر وعبر أعظم مسجد فى العالم بعد المسجد الحرام والنبوى والأقصى،قدّمها أحد الشيوخ للحديث تحدثت السيدة نظلة بطلاقة كعادتها تركز حديثها على الوحدة الوطنية وحثت الناس على التمسك بها والرباط عندها، لأنها القادرة وحدها على طرد الإنجليز من مصر،استطردت فى خطبها إلى أن الرسل جميعًا إخوة، موسى وعيسى ومحمد، عليهم الصلاة والسلام، وأن الله كرّم هذه الأمم بهؤلاء الأنبياء.. وأنها جاءت لتحيى رمزًا من رموز هذه الوحدة فى الأزهر الذى هو ملك للجميع وبيت للجميع.

وقالت علينا أن نستمر فى ثورتنا حتى تتحقق الحرية والكرامة لهذا الوطن السليب وبالفعل كان النجاح حليفا لثورة ١٩١٩، إذا كان الأزهر الشريف عنوانا للوسطية وسفينة نجاة لمتعثري الخطى وسط زحام الحياة وماديتها المقيتة.

وإذا كانت منابره الصادحة رمزا وشرفا للإسلام والمسلمين شرقا وغربا إلا أننا ما زلنا ننشد وننتظر انطلاق قناة فضائية مترجمة بكافة اللغات تحمل رسالة الإسلام الفكرية وهذا مطلب طالما نادينا به من خلال منابرنا الفكرية مع جميع المثقفين من قوى الأمة الناعمة لينطلق المارد الدعوي العملاق أكثر وأكثر نحو الأريحية الفكرية التنويرية.

في ظل هذا الظرف الحرج من تاريخ أمتنا باتت المواجهة حتمية وهي فكرية قبل كونها عسكرية انقاذا لبعض من غرر بهم جراء مفاهيم مغلوطة حول الدين الحنيف.
قنوات المد المتطرف لا تكف عن الردح ليل نهار ووجب مواجهتها أكاديميا وفكريا بتعريتها أمام الرأي العام العالمي وهذا لن يكون إلا من خلال متخصصي الأزهر لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين .

الولاية الدينية الفكرية باتت ضرورية للأزهر الشريف والنفير العام أضحى فرضا نصرا لأمتنا بعد أن أضحت مطمعا للمتآمرين في الداخل والخارج.

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *