بعيداًعن الأضواء، أثيرت فى الأوساط الصوفية فى مصر، خلال الفترة الأخيرة، خلافات حول جواز أن تكون المرأة «مريدة» أو «شيخًا» بأى من الطرق المعتمدة، وفيما ترفض المشيخة العامة للطرق الصوفية، والمجلس الأعلى للصوفية، وعدد من شيوخ الطرق، ذلك تمامًا، تطالب مريدات وشيخات ساحة بالمساواة مع الرجل فى «حب آل بيت النبى».
التقينا مع عددًا من شيوخ الطرق الرافضين دخول المرأة ساحة التصوف، الذين قالوا إن البيت والأسرة أولى بـ«حواء» من الموالد، معتبرين أن «زمن رابعة العدوية انتهى»، مهددين فى الوقت ذاته، باتخاذ الإجراءات القانونية ضد أى شيخ طريقة يضم مريدات، أو سيدة تنصّب نفسها شيخة لطريقة أو ساحة. فى المقابل، طلبت مريدات وشيخات ساحة، فى مقدمتهن ناريمان عبدالغفار، وليلى أبوالمجد، وأمانى منصور، وصفية العربى، ونور الصباح، من المؤسسة الصوفية الاعتراف بهن، خاصة أن «هناك زاهدات عارفات وصلن لمراحل متقدمة من الزهد والعبادة، وأصبح لهن مريدون بالآلاف داخل مصر وخارجها».
استنكرت «ناريمان عبدالغفار»، شيخة الساحة «الأحمدية البدوية»، رفض شيوخ الطرق الصوفية تولى سيدات قيادة أى طريقة صوفية، أو وجود مريدات لهن، مشيرة إلى أن مريدات الصوفية بالآلاف داخل مصر وخارجها.وقالت «الشيخة ناريمان»: «لا يجب على الإطلاق حرمان المرأة المسلمة من حقها فى أن تكون مريدة ومُحبة لأهل بيت النبى، خاصة أن هناك مريدات أفضل كثيرًا من الرجال فى الورع والصلاح والتقوى ومعرفة الله عز وجل».
وأضافت: «هناك شيخات وشريفات وعارفات صوفيات، يقصدهن الملايين من حول العالم»، معتبرة أن الصوفية لا تقتصر على الرجال فقط، ويجب على الجميع إدراك أن المرأة خلقها الله لكى تكون لها أدوار فى المجتمع المسلم، لا تقتصر على الزواج وتربية الأولاد فقط.
وأشارت إلى أن الكثير من السيدات وصلن لمرحلة «الولاية» و«القطبانية» مثل السيدة رابعة العدوية، والفقيهة الزاهدة المتقشفة العالمة «هجيمة بنت حُيى»، الأوصابية الدمشقية المعروفة بـ«أم الدرداء الصغرى»، معتبرة ذلك دليلًا على أن المرأة ليست «نكرة»، بل لها كيانها ووجودها.
واختتمت: «الله عز وجل ذكر الكثير من النساء فى القرآن وعظّم من شأنهن، مثل مريم بنت عمران، وآسية زوجة فرعون، والسيدة سارة زوجة سيدنا إبراهيم الخليل، ما يدل على أن المولى لم يفرق بين الرجال والنساء فى المعاملة، فكيف يأتى الآن من يفرق بينهما ويقول إن التصوف حكرًا على الرجال فقط؟».
واتفقت معها «ليلى المحلاوى»، شيخة إحدى الساحات الصوفية، وقالت: «لا يجب بأى حال من الأحوال، عدم الاعتراف بالمرأة كمريدة أو شيخة، فهناك امرأة تساوى ١٠٠٠ رجل»، مشددة على أن «التصوف ليس حكرًا على الرجال فقط، حتى تُمنع النساء من أن يكن متصوفات».
وأشارت إلى أنها علمّت عددًا كبيرًا من السيدات مبادئ التصوف الإسلامى، ما جعلها تحظى بكثير من المريدات فى ساحتها.
وأضافت: «مريدات الصوفية أكثر من الرجال بكثير، وهناك طرق صوفية أغلب مريديها من النساء»، واصفة عدم اعتراف المؤسسة الصوفية بهن بـ«الخطأ الكبير»، مطالبة بتعديل القانون الصوفى، للسماح بذلك، خاصة أن الطرق الصوفية فى جميع أنحاء العالم الإسلامى تعترف بالمرأة، فى المغرب والجزائر وليبيا، وغيرها من الدول.
ورأت أن السبب الرئيسى الذى جعل شيوخ الطرق الصوفية فى مصر يرفضون الاعتراف بالمرأة، كمريدة أو شيخة طريقة، هو أنهم يخافون أن تنافسهم المرأة، وفق تعبيرها، موضحة: «هناك شيخات وعارفات صوفيات زاهدات يأتى لهن المريدون من كل أنحاء العالم الإسلامى، وليس مصر وحدها».
التأييد لم يقتصر على السيدات فقط، إذ اتفق معهن الدكتور سيد مندور، القيادى الصوفى، الذى قال: «لا يجب على شيوخ الطرق الصوفية، أن يتعاملوا مع المرأة على أنها نكرة، أو شىء غير موجود، بل يجب تكريمها وإعطاؤها حقها، والاعتراف بها كمريدة».
وأضاف: «النظرة الخاطئة التى ينظر بها الشيوخ إلى المرأة داخل الطرق الصوفية تجعل الجميع يساوى الصوفية مع الإخوان والسلفية فى نظرتهم التحقيرية والتقليلية من شأن المرأة، رغم أن حواء تحظى بمكانة كبيرة فى الإسلام».
ودعا الطرق الصوفية لأن «تتماشى مع الحداثة، وأن ينسوا الماضى والتقاليد المتوارثة، حتى لا يتخلفوا عن العصر الذى نعيشه»، لافتًا إلى وجود كثير من النساء يحببن المنهج الصوفى، ويسعين لأن يكن مريدات مجتهدات قادرات على تقديم كل ما هو جيد للطرق الصوفية.
وشدد على أن رفض شيوخ الصوفية الاعتراف بالمرأة كمريدة، تصرف خاطئ جدًا، يجعل النساء بصفة عامة ينظرن للصوفية بشكل غير سوى، ويعتقدن أنها تضطهد المرأة.
رفض الشيخ محمد على عاشور البرهامى، شيخ الطريقة البرهامية عضو المجلس الأعلى للصوفية، فكرة وجود مريدات وشيخات ساحة أو طريقة، قائلًا: «المرأة لا تصلح لأن تكون مريدة أو شيخة صوفية، وبيتها أولى بها من التواجد فى الموالد والاحتفالات بين الرجال».
وأضاف «البرهامى»: «المرأة لها دور آخر بعيدًا عن أن تكون مريدة أو شيخة صوفية»، لافتًا إلى أن شيوخ الطرق يرفضون إعطاء العهد للمرأة، لأن «أقطاب الصوفية القدامى رفضوا ذلك الأمر، الذى نسير فيه على هدى أقطاب التصوف الكبار أمثال سيدى أحمد البدوى، وأبوالحسن الشاذلى، وعبدالرحيم القنائى، وإبراهيم الدسوقى»، مؤكدًا أن الصوفية لا تعترف بالمرأة كمريدة.
وشدد على أن المجلس الأعلى للصوفية يرفض الاختلاط الذى يحدث فى الموالد بين الرجال والنساء، فكيف يوافق أن تصبح المرأة مريدة؟، مضيفًا: «من يشاركن فى موالد الصوفية بشكل دائم من النساء ليست لهن علاقة بالصوفية من الأساس، فهن يأتين لزيارة روضات وأضرحة الصالحين، ويشاركن فى الموالد المختلفة لكنهن لسن مريدات صوفيات».
وردًا على من يستنكرون عدم اعتراف شيوخ الصوفية بالمرأة كمريدة، رغم أن السيدة «رابعة العدوية» كانت وغيرها من الزاهدات الصوفيات، قال «البرهامى»: «زمن رابعة العدوية انتهى للأبد، والنساء الموجودات حاليًا واللائى نصبن أنفسهن شيخات صوفيات لا يعرفن عن التصوف أو الصوفية شيئًا، ويجب عليهن التراجع عن هذا الأمر لأن التصوف له رجاله وشيوخه الذين تربوا على الشريعة والإسلام الحقيقى».
واتفق معه طارق الرفاعى، شيخ الطريقة الرفاعية الصوفية، الذى قال إن طريقته لا تعترف بالمرأة كمريدة أو شيخة، خاصة أن القطب الصوفى الكبير أحمد الرفاعى رفض «إعطاء القبضة» لسيدة جاءت إليه، ونهرها وأرجعها مرة أخرى، مضيفًا: «وبناء على ذلك لا يجب علينا كطريقة صوفية كبيرة مخالفة قطبنا الكبير الذى له وصايا وتقاليد يجب أن تنفذ حتى وإن كانت ضد رأى شيوخ الطريقة الحاليين».
وبرر «الرفاعى» ذلك الأمر بأن وجود المرأة فى أى مكان يثير الشكوك والشبهات، وفق تعبيره، مضيفًا: «شيوخ الطرق الصوفية جميعًا بلا استثناء يرفضون أن تكون المرأة مريدة أو شيخة طريقة، أما بالنسبة للنساء اللاتى يتواجدن فى الموالد المختلفة فهن لسن تابعات للطرق الصوفية، ولا يتم الاعتراف بهن من الأساس، خاصة أن بينهن من يرتكبن أفعالًا مسيئة من شأنها الإساءة للتصوف إذا كن فعلًا صوفيات».
فى السياق ذاته، قال الشيخ علاء الدين أبوالعزائم، عضو المجلس الصوفى الأعلى شيخ الطريقة العزمية، إن الطرق الصوفية منذ نشأتها وحتى اليوم لا تعترف بالمرأة كمريدة، درءًا للفتن والشبهات، خاصة أن التيارات السلفية دائمًا تتهمنا بإتاحة الاختلاط فى موالد الصوفية، وغير ذلك من الأمور غير الصحيحة، مؤكدًا أن شيوخ الصوفية يلتزمون دائما بـ«الشريعة الإسلامية الغراء».
ولفت «أبوالعزائم» إلى أن هناك آلاف المريدات حاولن الانضمام للطرق الصوفية والحصول على العهد، لكن شيوخ الطرق الصوفية رفضوا ذلك الأمر تجنبًا لكثير من الأمور الخاطئة التى قد تشوّه التصوف الإسلامى، كقيام البعض بالمؤاخاة بين الرجل والمرأة، وهذا لا وجود له فى الإسلام.
وشدد على أن أى امرأة لا تمت بأى صلة قرابة للرجل فهى بالنسبة له أجنبية، لا يجب عليه أن ينظر إليها أو يقترب منها، وعلى ذلك لا يصلح أن تكون هناك مريدات فى الطرق الصوفية، لأن ذلك الأمر من شأنه إحداث فتنة كبيرة، قد تؤدى فى بعض الأحيان إلى حدوث الكثير من الكوارث والمشكلات غير المقبولة وغير المحمودة.
ولفت «أبوالعزائم» إلى أن هناك بعض «أدعياء التصوف» يستخدمون هذا الأمر بطريقة خاطئة من شأنها الإساءة لأهل التصوف، الذين يحاولون دائمًا الالتزام بالشرع.