بقلم فضيلة الشيخ عبد الرؤوف اليماني الحسني الحسيني شيخ الطريقة الجهرية النقشبندية ومرشد صوفية الصين، تنطوي الشهادة على درجات متفاوتة من الاعتقاد البشري، وتوحي إلى نوعين من الإيمان:
الملحدون: وهم من تقتصر معرفتهم للشهادة على جزء “لا”، لا ينتمون لأية ديانة وينكرون أن للخلق إله.
وهناك من يصل علمهم إلى “لا إله”، يدّعون أنه لا إله لهذا الوجود، وأن كلّ ما في الوجود لا يتعدّى في كينونته حدّ الوهم،منهم من سيتعرّف على الله في حياته ويعترف بتفرّده سبحانه بالخلق والإيجاد لكنّه لن يعترف بالنبوّة، ومنهم من لن يبلغ هذا المقام من الأساس.
وهناك نوعان من الناس أوصلهم علمهم لِـ “لا إله إلّا الله”.
يعترف النوع الأول بأن الله ليس مخلوقا من المخلوقات وبأنه الخالق لكلّ شيء، إلا أن هذا النوع لا يعتقد في “إلّا” (التوحيد)، فيقعون في الضلالة بسبب جهلهم، أو يجعلون لله أندادا من خلقه، ويفترضون بناءا على قصور معرفتهم تصوّرات وهمية وتخمينات ذاتية لا أساس لها من الصحة، فيخلقون أحكاما تعسّفية فاسدة حول حقيقة الذات الإلهية.
النوع الثاني هم من يقرّون بِـ “إلّا”، يوقنون بأن هناك إلهًا واحدا لا غير، الله ولا أحد سواه، ويؤمنون بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى.
“لا إله إلّا الله” هي الكلمات الصحيحة التي أتى بها كافّة الرسل، وشهدوا بها وأقنعوا بها أممهم. إضافة إلى كلمات جوهريّة أخرى: شهادة كلّ رسول لنفسه أنه رسول مبعوث من الله عز وجل، وأن الدّين عند الله دين واحد وهو دين الإسلام، كان مذ خلَق الله السماوات والأرض، حتى أنه كان قبل خلق آدم عليه السلام.
كانت حقيقة الإسلام واضحة بالفعل بعد الخلق الأوّل قبل إيجاد الإنسان. هذا الدّين هو الدّين الحقّ الآتي من عند الله والنابع من ذاته تعالى، أمّا تطبيق شرائعه فهو ما استُهلّ عند ظهور الإنسان، دين أتى في البدء من عند الله وسيعود إليه سبحانه في النهاية، الإسلام وحدة، لذا وجب علينا كمسلمين الاعتراف بجميع الأنبياء على مرّ التاريخ، وعدم التفريق بين أحد منهم، فالتمييز بينهم أو عدم الإيمان بأحدهم هو بمثابة ارتياب في جُملتهم وفقدان كامل للإيمان.
أعاد رسولنا الكريم محمد ﷺ إحياء دين الإسلام وقام بالدعوة إليه، وأكرمه الله بأن أنعم عليه بمقام النّبوة التّاسع(مقام قاب القوسين) وجعله خير النبيّين وخاتمهم. اختار الله الإسلام ليكون دين البشرية القويم، وللأسف، هناك مِن الخَلْق من يعُدُّ نفسه مسلما، ويصرّ في الوقت ذاته على عصيانه ربّه، حتى أنّه لا يجد في قرارة نفسه نيّة للتوبة. يسلك سبيل الضلال ويدعو غيره إلى الضلال، ويُضيع هداية الله له ويقع في البدع، سيتفوّه بما لا يليق ويفعل ما لا يليق، ويُثقل كاهله بالذنوب ويقترف كبيرة الشرك الأصغر. سيفقد إيمانه ويعادي الحقيقة، ويكره الإسلام الأصلي ويشوّه صورته، فيؤول إلى مخادع كاذب ومضلّ. قد ضلّ وخسر خُسرانا عظيما من لم يؤمن بالمعنى الحقيقي الشامل والكامل لما تنطوي عليه الكلمات الثلاث “محمّد رسول الله”.
عندما يُتوفّى المؤمن وينتقل إلى رحمة الله، يصعد الشطر الأول لمنطوقه الإيماني “لا إله إلّا الله” إلى الجنّة، ويُودَع الشطر الثاني “محمّد رسول الله” في الأرض. لأن القسم الأول يعبّر عن العبادة، أما القسم الثاني فيمثّل نور الإيمان من الله وتاجًا يزيد به إيمان المؤمن تألّقا، وهو علامة إنعام الله على عباده المؤمنين بحقيق الإيمان ومنتهى عطائه لهم، وبأن جعل خير الأنام محمد ﷺ مرشدهم وشرّفهم بالانتماء إلى أمّته.
يختصّ الله بعطاياه تلك الفقراء من عباده الذين يبذلون أنفسهم وكل ما لديهم في سبيل الله، عند مداومة العبد على الشهادة يتأتّى له الاستمتاع بنور الحقيقة، وتتغيّر بصيرته لتصبح أكثر واقعيّة ودقّة، ويَخلُص تعلّقه لله وحده لا غير. بموجب فهمه للمعنى الجوهري للإيمان، تحيا روحه من جديد، وتتزكّى فطرته وتصفى مما علق بها من شوائب، ويغدو إنسانا سعيدا بفضل “إيمانه الراسخ والثابت”.
سينير الله إيمانه ويَشعّ النور الحقيقي بداخله، فيتحرّر من كل توريطات الأنا والأنانية وطبيعة النفس البشريّة والدنيا وما فيها، حتّى ينقطع تعلّقه عن كلّ شيء ما عدا الله ورسوله ﷺ، فتَخلُص المحبّة لله ورسوله ﷺ ويبلغ الإيمان حدّ الكمال،يوم تقوم الساعة، يُبعث بوجه منير يضاهي نُورَيْ الشمس والقمر، ويدخل الجنّة بمُحيًّا ملؤه البِشر والابتسامة، فلتتذكّر ذلك دوما.